لقاء المكاشفة بين التيار السوداني وكاميرون هدسون .. السياسة الأمريكية في مرمى التساؤلات

تقرير: ألوان
في لقاء وصف بالصريح والعميق، التقى وفد من قيادات التيار السوداني بالدبلوماسي الأمريكي السابق كاميرون هدسون، في جلسة نقاشية تناولت مسار الحرب في السودان، وتعقيدات السياسة الأمريكية في القارة الإفريقية، وسط تساؤلات ملحّة حول دور واشنطن وموقفها من النزاع السوداني الراهن. وتركز اللقاء على تحليل تراجع النفوذ الأمريكي في إفريقيا خلال العقد الماضي، مع التركيز بشكل خاص على كيفية انخفاض إهتمام واشنطن على القارة وظهور لاعبين إقليميين جدد خلق فراغاً تعمل روسيا والصين على ملئه بنشاط. وانتقد هدسون بشدة نهج إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تجاه السودان، واصفاً إياه بـ”الإهمال المتعمّد”، مقارنةً بإدارة جو بايدن التي تبنّت خطاباً أكثر اهتماماً، لكنه ظلّ في دائرة الأقوال دون نتائج ملموسة. وقال: تنظر الإدارة الحالية إلى السودان كـ”سلعة قابلة للتداول” وتعطي الأولوية للعلاقات الإقليمية بدلاً من التدخل المباشر. تداول المتحدثون تعقيدات السياسة الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك تحديات معالجة النزاعات المستمرة في السودان وتأثير العقوبات الأخيرة، مع التأكيد على ضرورة إدارة العلاقات مع قوى إقليمية مثل السعودية والإمارات.
تراجع النفوذ الأمريكي في إفريقيا
وكما تناول كاميرون تراجع النفوذ الأمريكي في إفريقيا خلال 10-15 سنة الماضية، معزياً ذلك إلى انخفاض تركيز واشنطن على القارة وظهور لاعبين إقليميين جدد مثل إسرائيل والإمارات. ربط تراجع المشاركة الأمريكية في إفريقيا بسياسات إدارة أوباما وتدخلها في ليبيا، والتي أدت إلى عواقب غير مقصودة وانحسار نهج واشنطن في السياسة الخارجية. وأشار إلى أن بايدن سعى للحفاظ على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن الفجوة بين الخطاب والواقع أظهرت عدم التوافق بين رؤيته والقدرات الأمريكية الحالية، مما أدى إلى إدارة ترامب التي ركزت على المصالح الوطنية الضيقة.
تحول القوة العالمية في السودان
وشرح كاميرون كيف أن لاعبين عالميين مثل روسيا والصين يملأون الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في دول ضعيفة مثل السودان ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، بدافع فرص النفوذ والتجارة و ليس الأجندة السياسية. وأشار إلى أن إدارة ترامب لا تعطي أولوية كبيرة للسودان في سياستها الخارجية، و أنه لم يسمع أي مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية يقول شيئاً عن الشأن السوداني. وأن الإدارة الأمريكية ترى فيه ورقة مساومة لعلاقاتها مع دول ذات أهمية استراتيجية أكبر مثل السعودية والإمارات و تركيا و مصر . وأكد أن نهج الإدارة يتركز على منع السيناريوهات الأسوأ، مثل ظهور دولة فاشلة أو إنشاء قاعدة بحرية لروسيا أو إيران، بدلاً من الترويج للحكم الديمقراطي بنشاط.
سياسة الولايات المتحدة غير الواضحة تجاه السودان
وأوضح كاميرون أن إدارة ترامب تنظر إلى السودان كـ”سلعة قابلة للتداول” ولم تتبع سياسة واضحة تجاهه، على عكس إدارة بايدن السابقة. لفت إلى أن السودان لم يُناقش خلال زيارة ترامب الأخيرة لمنطقة الخليجة، وأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام السودان كورقة مساومة مع قوى إقليمية مثل السعودية والإمارات. كما بيّن أن إدارة ترامب لا تتعامل حالياً مع أي مجموعات مدنية في السودان، على عكس إدارة بايدن التي دعمت الحكومة الانتقالية سابقاً.
بدوره طرح قاسم الظافر تساؤلات حول استراتيجية الولايات المتحدة تجاه السودان وعلاقاتها مع القوى الإقليمية.
بينما أعرب الدكتور يوسف عز الدين عن تقديره لتواصل كاميرون المستمر بشأن السودان ، بينما وجّه خطاباً صريحاً عن تجاهل الأمريكيين لحجم الجرائم التي ترتكبها المليشيا ضد المدنيين.
النزاع في السودان ودور الإمارات
ووصف الدكتور يوسف عز الدين الوضع في السودان بعد تمرد قوات الدعم السريع ضد الجيش الوطني في 15 أبريل، مؤكدًا أن الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين من نهب جماعي واغتصاب وتعذيب تجعل مساواة الطرفين أمراً خاطئاً ومهيناً. جادل بأن وقف الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع ضروري وكافٍ لإنهاء الحرب، لأن الميليشيا لا يمكنها البقاء بدون الدعم الخارجي. رد كاميرون بأن قوات الدعم السريع يمكنها تمويل نفسها من تجارة الذهب و إن كان بشكل أقل ، وربما تلقت دعماً من تجار السلاح إذا رفعت الإمارات يدها. وأكد أن دعاية الإمارات تستهدف مخاوف صانعي السياسات الغربيين من الإرهاب الإسلامي بدلاً من توجيه خطابها للشعب السوداني. اتفق المتحدثان على تعقيد السياسة الأمريكية في المنطقة، وحذر كاميرون من المبالغة في تقدير تأثير التدخل الأمريكي و النظر إليهم كمنقذ.
السياسة الأمريكية تجاه الجغرافيا السياسية للسودان
وأيضاً ركز اللقاء على الوضع الجيوسياسي للسودان والسياسة الأمريكية تجاهه. أعرب كاميرون عن مخاوفه من تقسيم السودان من قبل قوى إقليمية، وحذر من استدعاء إدارة ترامب التي وصفها بأنها تقدم السلام بثمن جعل السودان عبداً لهذه الدول. وطرح الأستاذ محمد زكريا تساؤلات حول رؤية الولايات المتحدة لبعثة الأمم المتحدة في السودان ومسؤوليتها عن الإخفاقات السابقة.
وتساءل الأستاذ عبد المنعم بشير عن تدني أولوية السودان في السياسة الأمريكية رغم موقعه الاستراتيجي والعقوبات المفروضة عليه، بينما شرح كاميرون أن النزاعات والتحديات المستمرة في السودان تجعل التعامل معه صعباً للولايات المتحدة، مما يدفعها للتركيز على مناطق أكثر استقراراً مثل جيبوتي و صوماليلاند.
توضيح العقوبات الأمريكية على السودان
وأوضح كاميرون أن العقوبات الأمريكية الأخيرة على السودان بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية ليست اقتصادية، بل تلقائية بموجب القانون الأمريكي، وهدفها ردع استخدام الأسلحة الكيميائية مستقبلاً . وأشار إلى أن هذه العقوبات لها تأثير عملي محدود لأن الولايات المتحدة لا تقدم قروضاً للسودان أساساً، وأن هناك غموضاً حول الأدلة التي استندت إليها العقوبات. وأعرب عن قلقه من أن تركيز الإدارة الأمريكية الحالي على قضايا الشرق الأوسط يترك مجالاً ضيقاً للتواصل مع السودان، مقترحاً أن أفضل طريقة للتأثير على إدارة ترامب قد تكون عبر الحلفاء الإقليميين مثل السعودية والإمارات بدلاً من القنوات المباشرة.