عبدالوهاب هلاوي .. عاشق الفراش والورود وأنفاس الزهر

عبدالوهاب هلاوي .. عاشق الفراش والورود وأنفاس الزهر

بقلم: أمير أحمد حمد

بياض شعره كبياض قلبه الذي لا يعرف العداوة كما أخبر عن نفسه ودلت أفعاله (قلبي ما بعرف يعادي). مفرط في عشقه للدرجة التي يأتي بالأعذار لمحبه مهما كثرت غلطاته معه لماذا؟ حتى يضمن بقاؤه معه خشية الفرقة والودار. ألم أقل لكم إنه مفرط في عشقه:

عشان خاطر عيون حلوين
بشوف في رموشها ليل ونهار
ولهفة تشيل مشاعرنا
تقصر للخطى المشوار
نجيكم نحن مشتاقين
فراشات تسأل النوار
و خضرة قولنا عند اللقيا
يا السمحين تجف نحتار
أغلطوا انتو يا أحباب
نجيكم نحن بالأعذار
عشان خايفين تسيبونا
وعشان خايفين نعيش في ودار

وحينما تسمع هذه الكلمات مموسقة على حنجرة زيدان تتشابى عيوننا وقلوبنا لتلك العيون وكلنا كمستمعين نشارك هلاوي في الاعتذار لتلك العيون ، ليس من أجل الخوف من الودار والفرقة لكن كعشاق لجمال الكلمة وحلاوة المغنى. ولكن يبدو أن اعتذارات هلاوي لم تجد ولم يأت مفعولها. وهاهو الحبيب قد أطال عليه الغياب وترك له اللهفة والشوق والعذاب كلمات كتبها وأودعها حبال العندليب الأسمر الصوتية اللحنية فعرفنا معنى اللهفة والشوق والعذاب:

لو تعرف اللهفة والريد والعذاب
والشوق بطرق في دروبك ألف باب
لو تعرف الدنيا من بعدك سراب
ما كنت روحتا وكنت طولت الغياب
كنت فاكر الشوق يجيبك والحنين
وتعود لقلبي الفي هواك صابر حزين
لاكن بس طال الصبر طال بالسنين
يا الروحتا طولت الغياب

يبدو أن شاعرنا هلاوي قد فقد المنطق الاعتذاري حينما أحس بل تيقن أن الأيام قد بدلت المحبوب وقد قطع الشك باليقين حين إلتقى بالمحبوب ولم يتجاوب معه لا بكلمة ولا لمسة حنان وقرر نسيانه مع تذكيره له بالعشرة القديمة حيث لاتجدي الدموع والحسرة. ودونكم قصيدته التي صدح بها العندليب أيضًا بلحن يعبر عن ملكاته اللحنية والصوتية:

تتبدل مع الأيام حرام ياغالي تتبدل
ونتقابل بدون كلمات ولا لمسة حنان تسأل
والأستاذ عبد الوهاب هلاوي عاشق للفراش ونداوة الورود، حيث حلقت الفراشات كثيرًا في شعره متخيرة من الورد نداوته ومن الزهر أنفاسه. أليس القائل على لسان مصطفى سيد أحمد ومن ألحان يوسف السماني:

لومني مستني الملام
ياسلام عليك يا سلام
ياحلو دا السكوت مرات كلام
وعدم الكلام هو كمان ملام
يا سلام عليك يا سلام
أنا يا غرامي وصلت بيك
في الدنيا لي حد الغرام
ولقيت ملامي في عينيك
يا سيدي زي الما ملام
يا سلام عليك يا سلام
الوردة لو فاتها الفراش
ما أظن تلومو مع الندى

وكذلك حينما حلق أيضًا الفراش في رائعته فراش القاش:

بالله ليه يا فراش تعبر عيون القاش
الخضرة في الضفة وهمس النسيم الماش

وهي من الأغنيات التي غناها له زيدان وهو يافع شافع يرتدي الرداء لكنها نالت الرضاء وكانت أول أغنياته التي تغنت ولكن ليست أول كلمات كتبت. وكذلك في أغنية عشان خاطر عيون حلوين نجد الفراش: نجيكم نحن مشتاقين فراشات تسأل النوار .
ولو بحثنا أعمق في شعر هلاوي نجد الفراش محلقًا بين زهرات أغنياته في خفة ورشاقة وربما يكون قد إتخذ الفراش رمزية لذاته معبرًا عن تلوين شعره الزاهي بشتى الصور الجمالية والواقعية في رشاقة وخفة.
ولعل أغنياته التي منحها لزيدان ربما تكون سببًا في إدمان الاستماع إلى زيدان من قبل بعض عشاق الفن فقد جاءت كلها من ألحان زيدان. وأضف على ما ذكرت أغنية شراع الوحدة والتي ربما لم يتم تسجيلها أو لم يحتف بها زيدان كثيرًا.
انداحت كلمات الأستاذ هلاوي على حناجر العديد من المطربين وبلغت على ما يربوعلى الـ (150) أغنية وتزينت بريشة عدد من الملحنين الكبار ، فكان نصيب الفنان صديق الكحلاوي أغنية زارع القسا لمتين يلازمني الأسى، غناها بصوته الفخيم الطروب وقد نالت من شاعرنا ما نالت عبير لذكريات مصحوب بتنهيدة عميقة ويسميها (كتابة يتامى).
غني له الصافي محمد أحمد، الفتى الذي مضى سريعًا عن الساحة الفنية ، فكان يصدح من لون الكاكاو جنا الكاكاو وأغنية لازم لازم نبني البيت وثلاثة أخر ممتعات. كما غنى له فنان الفنانين خليل بأغنية (فيك حلات عيون يادي تتوه تقول وادي. وكان للفنان عبد التواب عبد الله المغترب نصيب في المغنى الهلاوي (شمعات المحبة)، كذلك إبن طابت عماد أحمد الطيب (جارة ياجارة لا طل من السور ولا جيتي زيارة) وشفقتينا عليك يا زينة لما وعدتي وما جيتينا) علي العمرابي الذي اختفى ولم نسمع له غير هذه الشفقة.
وكم رشفنا الشاي مع الحبيب وعركي العجيب وشوفوا الشوق برضو في دفتر أبوعركي ، وعصام محمد نور خليتني للأيام ومحمود عبد العزيز. كما غنى له الفنان الكبير عبد الكريم الكابلي من ألحان أسماء حمزة (أغلى من نفسي). ولعلها من أواخر أغنياته . كذلك غنى له أسامة الشيخ والموصلي وعمر احساس ونانسي عجاج وندى القلعة التي غنت (ما بريد يمه السياسة) التي اضافت من عندها كلمة لإحدى المكونات السياسية مما أدخل شاعرنا في حرج.
ومن جميل الأغنيات التي وجدت حظًا من القبول والاحسان والانتشار (حاجة آمنة اتصبري) رائعة عقد الجلاد والتي احتوت على مضامين (هبشت) المجتمع السوداني منها:

حاجة آمنة أصبري
عارف الوجع فى الجوف شديد
عارفك كمان ما بتقدري
اصبري .. اصبري
جاهلك شكى وجاهلك بكى
وفي بيتك المرق إتكى
والشيء البحير ومابحير
مابيه يا حاجة الزكاة …
طلع الصباح لو ليك مراد
يا حاجة ما تطلع شمس
والليلة عندك زي أمس
لسه الرويدي مع الصباح
إلى نهاية الملحمة الجميلة

وقد ساهم في تجميل أغنياته بالتلحين عدد مقدر من الملحنين منهم بشير عباس والموصلي والمنصوري وخليل اسماعيل ويوسف السماني والقديل وناصر عبد العزيز وغيرهم.
لا أعلم ولا أدري وجدت نفسي في بستان هلاوي النضر المضمخ بالعبير والشذى الفواح وقطفت لكم بعض الأزاهير وهذه الأزاهير والورود تيرابها مدينة كسلا التي كانت مرتعًا لصباه وربما أكتسب بعض جيناته الشعرية من حي العرب حيث النسب من الذين يتوسطون ساحة الإبداع الفني في مسكنهم بحي العرب حيث شرقهم الطاهر إبراهيم، وإبراهيم عوض ووسطهم البستاني عبد الرحمن الريح وغربهم سيف الدين الدسوقي.
متعك الله أستاذنا هلاوي بالصحة والعافية ولنا عودة.