حكاية في بريد كامل قبل أن يتوافد الأصدقاء الجدد

ولألوان كلمة

حسين خوجلي

حكاية في بريد كامل قبل أن يتوافد الأصدقاء الجدد

 

في سيرة أصحاب الزعامات والرئاسات والسلاطين والرؤساء والأمراء والملوك الكثير من الحكايات المتصلة بأصدقاء الصبا وأصدقاء النصيحة ومن بعدهم بطانة السوء أو بطانة الخير. وأصدقاء الصبا لهؤلاء الكبار دائمًا ما تكون صلاتهم ليست معقودة على هبات أو مصالح فهي قد تكونت في أزمنة كانت فيها (الكتوف متلاحقة). أما أصدقاء النصيحة ففيهم فئة رغم نصحها متطاولة بالإدعاء والسفيانية وهؤلاء رغم نصيحتهم إلا أنها لا تدخل القلب لأنها بلا صدقية ولا نية حسنة وهنالك أهل النصيحة الشجاعة المتجردة التي تدخل من القلب إلى القلب ومن العقل إلى العقل لأنها في الغالب لوجه الله ولوجه الخير ولوجه الناس. وقد حكى يوماً عن الخليفة المجاهد العالم المعتصم أنه كان ماراً بإحدى طرق بغداد في حاشيته وكانت فيه مهابة وعظمة وكبرياء، ولكن فقهه وعلمه جعله يتواضع حين تقام عليه الحجة أو يستدل عليها فجأة أحد الدراويش وقد إعتلى صخرة حتى يراه والحاشية تحيط بالخليفة إحاطة النجوم بالقمر في ليلة تمامه. فصاح الرجل الصالح بصوت جهير: (أعدل يا معتصم والله إن ظلمت في حق الرعية فإن الله يقصم ظهرك في الدنيا ويلقيك في جهنم خالداً). وغضب الحرس والعسس والوزراء، فصاح المعتصم الفقيه فكوا سرواله أمامي حتي أراه أنا ولا يراه الناس. وحين نظر إليه قال أستروه. وصاح فيه قد قبلنا نصحك يارجل فأمضي في أمان. فسأله وزراءه عن حكاية السروال، فقال لهم كيف لي أن أشق قلبه لأعرف صدقه ونيته، ولكنني رأيته قد حلق عانته وهذا من كمال خلق المسلم. فإذا كانت هنالك نصيحة على ظلال هذه الحكاية تقدم للفريق أول البرهان رئيس مجلس السيادة والسيد رئيس الوزراء كامل الطيب إدريس فهي تصبح واجبة وضرورة في هذا المنطف الخطير الهام في تاريخ بلادنا، وهي أن يحتملوا أهل العلم والنصيحة، فالنصيحة بلا علم تصبح شيئاً من التزيد والتجاوز وحظ النفس أو شحها. وفي بعض العلماء وأهل الذكر غلظة وجفاء ومن أراد العلم أو النصيحة فليحتمل غلظتهم وجفائهم، وعلى النقيض من ذلك فأصحاب بطانة السوء والمصالح يتسمون بالظرف والدعابات وتجميل الباطل حتى إذا ذهب المنصب ذهبوا. فقد حكى لي يوماً أحد قدامى الصحفيين أنه كان يذهب في كل صباح إلى مجلس رئيس الوزراء عبد الله بك خليل ليأخذ منه الأخبار والتصريحات. وكان عندما يزوره يلحظ أن صالونه منذ الصباح الباكر كان يمتلئ بأهل الشهرة والمصالح وأصحاب المواهب المتعلقة بالمال والأعمال ويمتلئ فناء الدار بالذين هم أقل منهم وكذلك ظل الأشجار حول المنزل والكل يطلب ود رئيس الوزراء صاحب المنصب والتأثير. وعندما وقع إنقلاب الفريق عبود وسجن عبد الله بك خليل بالجنوب زاره الصحفي بعد إطلاق سراحه فوجد أن الدار تكاد أن تكون خالية من الزوار وأهل المصالح وأغرباء الدنيا. دخل صالونه الرحيب بلا إستئذان فوجده يجالس أربعة من القدامى من أصحاب الصبا والذكريات العطرة (عندما كانت الكتوف متلاحقة) رأى البك نظرات الحيرة تعتلي وجه الصحفي وكان في الرجل فطانة، فأجابه قبل أن يطلق السؤال المخبوء هؤلاء يا أستاذ وأشار إلى الجلوس هم أصدقاء المواطن عبد الله خليل. أما أصدقاء فخامة السيد رئيس الوزراء فقد ذهبوا إلى غير رجعة وأطلق ضحكته المعهودة الشهيرة. (والمعنى واضح).