رؤية وحكاية مهداة بلا ثمن للغافلين

ولألوان كلمة
حسين خوجلي
رؤية وحكاية مهداة بلا ثمن للغافلين
ومما كانت تعرفه الروم وزراريها من الفرنجة وتجلّه حكمة كبارهم وتجريبهم.. فكانوا كلما استغلق عليهم أمر ذهبوا لأهل الحكمة منهم وأهل البصيرة والسبق، فشاوروهم.
ومما كان يدرسه المشائخ في السودان لتلاميذهم الفتيان، أن العرب حين غلبوا الروم وأشتدوا عليهم وأنتزعوا منهم الشام وعبروا صوب أراضيهم (الجوانية)، اشتد الأمر عليهم بعد انتصارات المسلمين عليهم وهزيمتهم المنكرة التي هدتهم وقوضت أركان ممالكهم وسلطانهم.
ورغم مرض قيصر المميت، فقد عادوه وطلبوا منه النصيحة للخطب الذي ألم والظلمة التي أعتورتهم وأحاطت بهم. والقيصر هو لقب كل سلطان من ملوكهم وجمعه قياصرة. وكان اسمه في بداية عهد الاسلام (هرقل) والرجل قد امتد حكمه منذ 621 حتى 641.. وله انتصار محسوب على الفرس (إيران اليوم)، إذ استطاع الثأر لروما وتوغل إلى قلب بلادهم وهد عاصمتهم المدائن بعد هزيمتهم الأشهر في (نينوى) وما زالوا بعدها في انحلال حتى قضى عليهم الاسلام الناهض.
جاء الروم كما قلنا للملك المريض. ومن عاداتهم الطيبة شرف الاعتراف، فقد وقفوا أمام الرجل نصف الجثمان وقالوا: قد علمت ما لنا بالعرب من طاقة. وما نحن فيه في مأزق يؤذن بذهاب أمرنا. وها نحن نرى أن علتك شديدة. وهي أشد علينا من مصيبتنا بالعرب، فأوصنا.
قال قيصر: إن العرب يا هؤلاء قوم كانوا في بؤس شديد يعيشون في الصحاري والفيافي والمجاهيل، يشربون من حلب الناقة والشاة. ويأكلون الضباب والهوام والخبز اليابس.
وعندما نظروا رأوا ما أنتم فيه من رفاه في العيش، بلين الملبس وطيب المطاعم وحسن المناكح. وفوق ذلك فقد وعدهم نبيهم أن لمن قتلنا منهم قصور من الذهب والفضة ونعيم مقيم وحياة الأبد في الجنان حيث النعمة والخلود.
ولذلك فهم كلما لقوكم حرصوا على الموت لتوهب لهم الحياة. وحرصوا لما أنتم فيه من النعيم. ولذا فليس في معتقدهم من خسران، اما النصر عليكم أو الشهادة ودخول الجنان.
أما أنتم فتحرصون على الحياة لطيب ما ترجعون اليه. فلذا فقد هزموكم.
وعندما انتبه (مجلس شورى الروم) وأصغت السمع وقربت الآذان وبدأ الناسخون في كتابة بقية النصيحة أغمي على قيصر. فظنوا أنه مات. فأعولت عليه المدينة وضجت النواقيس ولبسوا السواد وبكت عنده الطلائع من النساء والرجال، لكنه أفاق.
فقالوا له يا سيدهم وسيدنا (انا شاورناك في أمر العرب فزدتنا منهم هلعاً وخوفاً ورعباً. قال: صدقتكم عنهم. فقالوا فما الرأي؟ قال: خلوا لهم عن بعض بلادكم وارفقوا بهم. وأدفعوهم بالحرب قليلاً حتى يموت منهم من شاهد نبيهم. وينالوا من طيب العيش (مثل) ما نلتم، فيكرهون الموت مثل كراهتكم.
ثم ضعوا بينكم وبينهم حدوداً وقاتلوهم عليه، فإنهم لا يجوزونه أبداً.
ففعلت الروم ووضعت بينها وبين العرب جبل الدرب وقاتلت عليه، فبقي الحد إلى يومنا هذا.
ومن هنا أخذوا فلسفة الحدود. وقد طوروها إلى الدولة القطرية التي حكمتنا ولم تحكمهم. فأمريكا فيها الولايات واحدة والجيش مركزي والعلم والسلاح والرئيس، وأوربا السوق واحدة والعملة واحدة والعدو مشترك. وقد صرنا نحن بحدودهم ألف قبيلة وقبيلة. وفي كل يوم نرسم ما خططوه لنا من حدود. ولأننا تخلفنا فلم ننهض كما ترون من الأرض بعد. وهم بدأوا الآن في ترسيم حدود الفضاء. عبر هذا الفضاء نساهر بلذة النظر وسقوط المشاعر عبر الافلام والمسلسلات الخليعة والأغنيات الماجنة، وعبر هذه الفضاءات المسمومة نهزم وتفسد أخلاق كبارنا وصغارنا.
يستعملون الانترنت للعلم والاستلاب والاستثمار وغسل الأدمغة. ونستعمله نحن لسماع الدبكة والدردشة ومشاهدة أغلفة مجلات الحب الأزرق والجنس والنكات البذيئة والهجوم على بعضنا البعض بلا طائل ولا سبب إلا تمزيق ذات البين أفراداً ونخباً وشعوباً .
عزيزي الشعب السوداني:
شكراً لصبرك على كلماتنا وهي مرهقة بالتلاشي. وبأحرفنا وهي موسومة بالتعب. فقد قالت آلات الطباعة كما أراد لها الشاعر الساخر. بعد كل هذه السنوات من رفقة الكتب، كل التقدم الذي حدث لنا أنه تراكم علينا الصدأ.
وقال الصحافي لزميله المغتبط بنفسه: مقالك أشبه بثمرة الخس،
ثلاثة أرباعها للرمي في سلة المهملات. وغالباً ما نفاجأ بعد ذلك بأن فيها ذابل وأصفر..
ومن قصصه الشهيرة: قالت الأفعى: رغم أن البشر يلعنوني، أظل أفضل من بعضهم. فعندما ألدغ أحداً فإنني على الأقل
لا أدعي صداقته.
أخي الشهيد علي عبد الفتاح..
هأنذا أعيد عليك المسدار الذي كنت تحبه وتردده وتبتسم:
ما خجّلت ستات القناع السابل
وخليت الوراك ود عينو صاحية تقابل
مما قمت دوداً للقواسي مدابل
الموت أصلو مدروع في الوريد ومتابل
إن أقسى ما يقابله أصحاب (الشتات) الآن من معضلات سؤالهم المر مع من أنت معالم الطريق أم الرفاق العابرين في حيرة. وقد تركت يوم الرحيل الرائع القيادة واحدة والقضية واحدة والجرح واحد والبندقية واحدة، فاسألهم معي كيف سيقسمون ميراث السيرة المسك وعقد الشهداء النضيد؟؟.
وأخيراً جداً:
هل ما زالت القيادة الدينية والعسكرية في إيران تنتظر الإمام الغائب أم أنها عبر هذا الفقه المؤجل قد قررت أن تعود القهقري إلى دولة من الدرجة العاشرة يخدعها اليهود والنصارى (يوماتي) ويغتالونها عبر شبكة التخابر التي تعشعش في المشروع النووي وصناعة الخبز والمكسرات ونسيج السجاد العجمي؟.