نازحو الدبيبات والنهود .. مأساة منسية

أين أختفت مئات القيادات الكردفانية اليوم؟
نازحو الدبيبات والنهود .. مأساة منسية
لماذا كفت الولايات أياديها عن إغاثة الجوعى والعطشى؟
بقلم: يوسف عبد المنان
في عتمة ظلام الواقع المر ومع كف الحكومة عجزًا أو تواكلًا عن إغاثة الجوعى الفارين من لهيب الحرب في جنوب وغرب كردفان تلوح أضواء خافتة في ظلام الصيف الحار، وإذا كان الأخ المجاهد عبد الله قد حمل ما أستطاع من قوت الدنيا (ودقش) الفلوات والقرى ومعسكرات الرباط في الثغور ونيران المواجهة فإن رجل أعمال آخر أنفق سرًا مائة مليار جنيه من ماله الخاص، إنه إبراهيم الكناني إبن منطقة الحمادي التي تآمر عليها أميرها الجنجويدي وتبعه آخرين من الغاشمة والكناني، لم يسرق مال مستشفى الحمادي ولم يبيع ويشتري مع حميدتي وهو من قادة حزب المؤتمر الشعبي الفقير ماديًا والغنى روحيًا ولم يحظ الكناني بأفضلية تخصيص في الصادر ولكنه خاض في كردفان سوق محاصيل الصادر وكان يمكنه أن يبقى في القاهرة أو أنقرة أو دبي ولكنه ظل قريبًا من أهله وسبق له أن حفر آبار في صمت وبعيدًا عن ضوضاء الإعلام وبريق الكاميرات والآن يشتري الذرة ويطعم النازحين ولاينتظر من الحكومة حتى كلمة شكر. طبعا إذا وجدت حكومة في ولايات كردفان الثلاثة ولم تقف تدفقات النازحين من النهود والدبيبات عند مدينة الأبيض ولكن وصلت يوم أمس إلى أم درمان والخرطوم أكثر من عشرين أسرة بحثًا عن الطمأنينة ولقمة العيش بعد أن نهب اللصوص من الأشاوس حتى الدجاج وأكلوا السخيلات من أجل إعادة الديمقراطية.
هرب حواضن مايعرف بالمليشيا هروبًا من بطش المليشيا وظلم المليشيا والقتل والاغتصاب. وقد أضطر الناس في أرياف الدبيبات على (دس) الفتيات بين قصب الدخن الجاف حفاظًا على عروضهن من الاغتصاب. وتعتبر الإدارة الأهلية شريكًا في كل الذي حاق بأهل الخوي والدبيبات وكركرة كنانو والتونجرو ومناقو ويشاركهم في الإثم والعدوان المثقفين من أبواق المليشيا من المغتربين في السعودية وأمريكا والإمارات وهم يدعون كذبًا أنهم يحاربون الكيزان وبعض الكيزان يحملون السلاح مع المليشيا وبعضهم ينتظر هزيمة الجيش في قارعة الطريق. ولكن هناك رجال مخلصين أوفياء منذ أن نشبت الحرب لم يبدلوا مواقفهم وظلوا راكزين في مجتمعاتهم منهم آدم الفكي محمد الطيب في كالوقي وغريق كمبال في أبوجبيهة ومحمد مركزو كوكو وشريف الفاضل والتوم الفاضل ومحمد آدم وحسن حمد واللواء المرضي وعبد الله أبو أيمن وأحمد جميل الله وعبد المحمود الصبيح والزعيم عمر سومي وكبيرهم عطاء وتصديًا للجنجويد سعيد حبيب الله، ولكن بذات القدر أختفى من الساحة مئات القيادات وآثروا البقاء بعيدًا عن لظى الحرب ولم يدفع أحدهم مليار جنيه دع مائة مليار مثل إبراهيم الكناني ومنهم من جمع من مال الإنقاذ مايجعله ثريًا حتى ينفخ في الصور وتأتون أفواجًا.
إن مأساة نازحي كردفان شعر بها كل من له حس ونبض حي من أهل كردفان التي غرقت في آتون حرب ستطول إذا لم يأخذ بمال دعا إليه حاج ماجد سوار بتكوين درع كردفان أو فيلق الغرة في مقبل الأيام. شكرًا لعبد الله بلال الذي أثار هذا الحراك في الساحة الصامتة والحرب الحالية كشفت عن معادن الرجال وقدرهم عن أهلهم. وإذا كان إبراهيم الكناني بما له من فضل قد دفع المليارات وهو لا شأن له بالحكومة فإن الدكتور حامد البشير إبراهيم القيادي في حزب الأمة القومي ووالي جنوب كردفان السابق ظلت أياديه بيضاء على أهله وعشيرته الأقربين والأبعدين يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية وقلبه مع أهله يدعم بما يملك أفراد وجماعات ولكن كم من أبناء كردفان يشاهدون مناظر أمهاتهم نازحات بفعل التمرد ويصفقون لحميدتي ليشفي صدورهم من غل نحو الكيزان ومن غرائب وعجائب السياسة في السودان أن حامد البشير يقف ماسحًا لدموع الباكيات من أفعال وتحريض ودعم فضل الله برمة ناصر للحرب ومناصرته لآل دقلو بينما قيادات من حزب الأمة تقف مع ضحايا حزب الأمة.
2
مئات القيادات التي كانت تملأ الدنيا ضجيجًا وتتحدث بإسم كردفان وأن بيدها مفاتيح المجتمع وعندها الخبر اليقين والقول السديد أين ذهبت الآن؟ لن نطالب من بلغ من الكبر عتيًا ونخر جسده المرض وأعياه المسير من أمثالنا بحمل السلاح والقتال في الخوي وصريف عنكوش ووادي النامية في الدبيبات، ولكن المواقف المبدئية والوقوف المعنوي مع الناس في مأساتهم يمثل قيمة إنسانية وسياسية وأبناء بعض القيادات مثل أبوالقاسم أحمد صالح صلوحة الآن في مسارح العمليات والصادق مريدة وقاسم موسى الذي يسجل كل يوم موقفًا مشرفًا له ولقبيلته المسيرية مثلما يناهض محمد سليمان قور من أقاصي الدنيا المليشيا ويعريها من كل ثوب تتدثر به. وكذلك يفعل غريق كمبال بتسجيلات أسبوعية كان لها أثرًا في وقوف قبيلة أولاد حميد مع الجيش ومعه عوض الله الصافي نواي الصديق الوفي ورجل الأعمال السخي الذي كنا نداعبه بإسم بيت القش ولكن الحرب كشفت معدن رجل أعمال مقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة ولكنه لايقف إلا مع بلاده ليس كما وقف أحد أبناء الحوازمة على إسماعيل الذي رفعته الإنقاذ يومًا عبر منسوبي حزب المؤتمر الوطني في دبي وجعلوه رئيسًا للجالية هناك ولكنه الآن يقف مع أولاد زايد ويهاجم قرار قطع العلاقات مع أبوظبي من أجل مصالحه الخاصة وهذا المحتال الشهير بعلي كسروا منحته وزارة الاستثمار في سنوات الإنقاذ قطع أراضي ولكنه اليوم يقف مع الإمارات في حربها على السودان من أجل أن يعيش في كنف دولة الشر بينما الشباب المجاهد يقاتل بشرف في سوح القتال ويصدقون قولًا وفعلًا (لا لدينا قد عملنا نحن للدين فداء). والآن شباب التيار الإسلامي يقاتلون وقادتهم إما مطالبين في المحاكم أو معتقلين في مروي وبورتسودان ولا نصيب لهم في سلطة الانتقال، وربما حتى حرمانهم من خوض الانتخابات الرئاسية القادمة بضغوط الخارج وحسابات العسكر. ولكن شباب التيار الإسلامي يقدمون أرواحهم من أجل السودان وبقاء الدولة لا من أجل سلطة ولا مال بينما قادة كانوا ملء السمع البصر صمتوا صمتًا لايليق بالرجال في مثل هذه الظروف الصعبة بل آثر البعض العيش في تركيا ومصر والإمارات وقطر يقرأون ما يكتب ولا يشارك بعضهم حتى في وسائل التواصل الإجتماعي، وإذا شارك يحدثنا عن حكمة علي بن أبي طالب وأشعار أبوالطيب المتنبي وقصص الأنبياء، ولكنه يمسك عن إدانة حميدتي أو حتى تأخذه الغيرة على فتيات كردفان اللاتي تم اختطافهن من دار حمر ودار الحوازمة وأخذهن سبايا إلى الضعين حيث أفتتح بعض قادة الرزيقات مواخير يتكسبون من تلك البيوت المال الحرام.
3
بكل أسف وبكل أسى تواجه كردفان اليوم مصيرًا صعبًا وامتحانًا مثل الفاشر ومدني والخرطوم في سابق الأيام. وإذا كان أبناء الجزيرة قد خاضوا معركة التحرير بوحدة الصف وسواعد حركة تحرير الجزيرة، ثم جاء كيكل الذي نفض يده من آل دقلو حينما أكتشف عنصرية المشروع ودمويته وأن قادة الدعم السريع مجرد دمية في يد غيرهم كانت للدراعة أي قوات درع السودان الفضل في قيادة التحرير وهزيمة التمرد وتحرير أرضهم بل كانت لقوات الدرع أدوار كبيرة في تحرير الخرطوم ولماذا لاتتعلم قيادات كردفان من تجربة الجزيرة بدلًا عن التمني والإمساك بالعصا من المنتصف ولكن أبنائهم يقدمون أرواحهم مثل موسى مصطفى موسى إبن القيادي في المؤتمر الوطني وحفيد آل داؤود يحي أكبر زعماء قبيلة كنانة تاريخيًا ومعه العمدة أبو خديجة.
وكردفان ظلت يدها ممدودة بالخير لأهل السودان ولكن الولايات الآن تمسك يدها عن تسيير قوافل الدعم لإغاثة الملهوف وقد أمسكت السماء مائها وعطش الناس وهام الكرام على وجوههم في شوارع الأبيض فأين دعم ولاية نهر النيل وقوافلها التي كانت تتسابق نحو معسكر سركاب في ام درمان وعلى أم بدة والمسالمة والثورات؟ وأين دعم الشمالية التي عرف أهلها بالسخاء وأين سنار وأين جزيرة الخير التي تعافت من مرض التمرد وعادت بعطائها بل أين القضارف ولن نطالب كسلا أو البحر الأحمر ولكن لكردفان دين في أعناق كثير من الرجال وهي الآن تئن من وطأة التمرد ولكنها لاتسأل لقمة العيش حتى إذا مات الناس في الطرقات.
4
أخرجت الحرب دارفور من دائرة الإنتاج والآن تخرج كردفان من دائرة الانتاج وأكثر من عشرين أسرة وصلت الخرطوم الآن من الدبيبات وحدها وضعف هذا العدد من النهود بحثًا عن الأمان في عاصمة السودان حتى ينهض أبناء كردفان جميعًا لتحرير أرضهم مثل أهل الجزيرة ويتم القضاء على سرطان التمرد والآن يقاتل في الخوي عبد الله جنا وفي الدبيبات الطاهر عرجة من حركة العدل والمساواة فأين دور بشير الباهي الذي كل يوم يرفعه البرهان مقامًا عليًا وتنحدر كردفان إلى أسفل ويتمدد التمرد ويطرد الناس من ديارهم؟.