
د. حسن محمد صالح يكتب: ترامب يمارس خداعًا استراتيجيًا لصالح إسرائيل
موقف
د. حسن محمد صالح
ترامب يمارس خداعًا استراتيجيًا لصالح إسرائيل
الخداع الاستراتيجي لا ينفصل عن التفكير الاستراتيجي ومبادئه المعروفة من وضع للخطط الاستراتيجية طويلة المدى والتكتيكية .مصحوبة بالحيل والأنماط والمواقف والتطورات.
عرف يأتون وايلي المؤرخ العسكري والضابط السابق بوحدة استخبارات الحرب النفسية بالجيش الأمريكي الخداع علي أنه المعلومات التي تبث عبر بيان أو فعل لدفع الآخرين لقبول تصور مزيف للواقع بهدف التأثير علي سلوكهم .
الخداع Deception لا نريد الدخول في نواحي أكاديمية وهو موضوع شائك ولكنه فعل خطير ومضلل يستخدم التمويه والإعلام والحرب النفسية ويستخدم (الحقيقة) التعمية على الحقيقة من أجل تحقيق الهدف الذي يريده الخصم ويعتبر التضليل في حد ذاته هدف توجيه الخصم إلى بديل أكثر جاذبية من خلال تضخيم حقيقة معينة والترويج لها بشكل مكثف يساهم في إسقاط حقائق أخرى من الاعتبار ما يعزز صورة خاطئة للواقع وهو ما يلخصه كبير محللي ClA الأسبق (١٩٧٠-١٩٨٤) ومؤلف لمجموعة من الكتب في علوم الأمن والاستخبارات روبرت كلارك بأن كل أنواع الخداع تعمل في إطار ما هو حقيقي والحقائق تضع اللبنة الأولى للتصورات والمعتقدات ثم توظف تلك الحقائق لخداع الخصم .
وتم استخدام الخداع الاستراتيجي في الحرب العالمية الثانية مثال استخدام الحلفاء الدروع الشمسية في عملية بيرترام -الطعوم القابلة للنفخ في عملية الحرس الشخصي خلال الحرب العالمية الثانية لتضليل العدو بشأن حجم قوات الحلفاء وموقعها وأهدافها .
وتعتبر إسرائيل هي المنتصر الحقيقي في حرب الغفران انتصارًا ساحقًا على الأرض، فقد طردت الوحدات الإسرائيلية القوات السورية من مرتفعات الجولان وسيطرت على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر. وطردت القوات الأردنية من الضفة الغربية والأهم من ذلك أن الإسرائيليين ظلوا يسيطرون حصريًا على القدس .
عرف عن الرؤساء الأمريكيين والدبلوماسيين الأمريكيين والمنظمات التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية مثل وكالة الطاقة الذرية العالمية بممارسة الخداع الاستراتيجي في الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وفيتنام وخليج الخنازير وحرب الخليج الأولى وغزو العراق للكويت بأن أعطت السفيرة الأمريكية بالعراق الرئيس العراقي صدام حسين الضوء الأخضر لاحتلال الكويت. أما الدور الذي لعبه البرادعي بصفته رئيسًا لفريق المفتشين الدوليين التابعين للأمم المتحدة في البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية وتزييف الحقائق التي أدت إلى الغزو الأمريكي للعراق وتدميره وحل جيشه الوطني.
وفي السودان لعب الخداع الاستراتيجي دورًا محوريًا في تدمير مصنع الشفاء للأدوية حيث أستخدمت المخابرات الأمريكية العملاء من شاكلة السيد مبارك الفاضل المهدي القائد في حزب الأمة القومي يومها والأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي ذات النظرية الخاصة بوجود مصنع بالخرطوم وهو مصنع للأدوية البشرية والبيطرية ولكن تمت شيطنته وضربه بصواريخ توما هوك الأمريكية بناء على القرار الذي أتخذه الرئيس الأمريكي كلنتون في أغسطس عام ١٩٩٨م .
وفي خضم معركة الكرامة التي يخوضها الشعب السوداني ضد مليشيا آل دقلو الإرهابية اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية القوات المسلحة باستخدام الأسلحة الكيمائية وهو كذب بواح ومفضوح وبناءً على معلومات لناشط في الحرية والتغيير والعميل الأمريكي. وكل الوقائع تؤكد الكذب الأمريكي مما يستدعي الحيطة والحذر من المخابرات الأمريكية وعملائها الذين لا تهمهم الحقائق بقدر ما تهمهم الذرائع للتدخلات العسكرية واحداث الدمار والخراب ولو بعد حين ! .
ونحن بصدد الحديث عن الجمهورية الإسلامية (إيران) فإن الرئيس الأمريكي الحالي ترامب هو الذي قام بإلغاء الاتفاق النووي الذي عقده سلفه الرئيس أوباما مع إيران بضغط من دولة إسرائيل ويعود ترامب (الآن) للحديث عن مفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بشأن برنامج إيران النووي وهو برنامج سلمي. العودة للمفاوضات الهدف منه تدمير إيران بعد ضربها عسكريًا بواسطة إسرائيل التي شنت هجومًا مباغتًا على الجمهورية الإسلامية فجر الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥م وقامت بقتل قادة عسكريين وأمنيين إيرانيين وقتل علماء نوويين إيرانيين في اختراق أمني وعمل استخباري تجسسي داخل إيران تمثل المعارضة الإيرانية فيه رأس الرمح. وجاء الرد الإيراني بضرب العمق الإسرائيلي ومدينة تل أبيب بأكثر من مئتي صاروخ وتدميرها ولا زال التهديد الإسرائيلي لإيران قائمًا بعد أن شرعت إسرائيل في ضرب الموانئ الإيرانية والمنشآت الاقتصادية والنفطية. والجانب الأمريكي يمارس الخداع الاستراتيجي لصالح إسرائيل باسم المفاوضات والتفاهمات بين الدولتين .
والتدخلات الأمريكية في إيران وحلفائها تحت هذه اللافتات ليس بالأمر الجديد فالولايات المتحدة هي التي كتبت وخططت لتدمير حزب الله اللبناني. والذي حدث أن الولايات المتحدة توسطت بين حزب الله وإسرائيل عبر مبعوثها الخاص آموس هوكشتكين وقد لعبت الدبلوماسية الأمريكية عبر هذا المبعوث مستوى لإدارة عمليات الخداع الاستراتيجي عندما استخدمت المفاوضات كما يقول الخبراء في تحقيق هدفًا محوريًا في رسم صورة موازية للحقائق والمؤشرات العسكرية والميدانية وتقليل خاصية الهدف وهو حزب الله تجاه المخاطر والتهديدات التي تواجهه. وقد مكنت هذه الحالة الاحتلال الإسرائيلي من كسر الخطوط الحمراء والإخلال بقواعد الاشتباك كما يقول العسكريون وتم استهداف القيادة وتصفية القيادة التاريخية للحزب وقيادات الصف الأول والأمين العام لحزب الله من خلال القصف الذي شمل المدنيين في لبنان دون أن يستوعب ذلك الحزب أو يتمكن من الرد العسكري الحاسم على إسرائيل .
ولم تكن العوائق التي حالت دون ذلك عوائق مادية بقدر ما كانت عوائق ذهنية وحدثت حالة من التبلد (البلادة) تجاه المؤشرات قادتها لمراكمة استنتاجات خاطئة لتجد نفسها في وضع معنوي واستراتيجي متخلف عن الواقع وتم تتويج الاستهداف المتراكم لحزب الله باستشهاد أمينه العام الشيخ حسن نصر الله .
ذات المخطط يتم تنفيذه في إيران ومنذ عدة سنوات بتصفية قادتها العسكريين مثل السليماني وتصفية الوجود الإيراني في المنطقة من خلال علاقات دبلوماسية وتحالفات الحيلولة بينها وبين أنصارها وحلفائها. الولايات المتحدة هدفها الاستراتيجي هو أمن اسرائيل وقد عبر الرئيس الأمريكي ترامب عن ذلك بقوله أننا دعمنا إسرائيل بصورة غير مسبوقة ولتحقيق أمن اسرائيل تريد الولايات المتحدة تصفية المقاومة الفلسطينية وترى أن تصفية الحركة الإسلامية حماس وحركة الجهاد وغيرها لن يتحقق إلا بالقضاء على إيران وتغيير نظام الحكم الإسلامي بنظام علماني موال للغرب والولايات المتحدة الأمريكية .
ختامًا فإن الرفض الذي حدث للهجوم الإسرائيلي على إيران من العديد من الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها السعودية والسودان وباكستان وتركيا وغيرها يعبر عن حالة من الوعي بالخطر الإسرائيلي على الأمة العربية والإسلامية ويمكن للجمهورية الإسلامية من التواصل الدبلوماسي لمزيد من الوحدة والتضامن أمام المخطط الصهيوني الذي يستهدف المنطقة ومقدراتها الاقتصادية والبشرية والحيوية .