خالد أبو الروس .. أيقونة الشعر والمسرح

خالد أبو الروس .. أيقونة الشعر والمسرح
بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ
خالد عبد الرحمن خالد أبوالروس، كان ميلاده بأمدرمان في العام 1908 ميلادًا لمبدع في مجالات الشعر والمسرح وكتابة أجمل قصائد الغناء. وفوق ذلك عمله بالتدريس كمعلم في المدارس الأولية والمتوسطة.
تلقى تعليمه أولًا في الخلوة مثله مثل صغار ذاك الزمان ومن ثم كانت مدرسة العباسية الأولية التي تخرج منها ليلتحق بمدرسة أمدرمان المتوسطة التي انتقل منها إلى المعهد العلمي الذي إلتقى فيه بعدد من زملائه الطلاب الذين نظموا اضرابًا عن الدراسة وهم في السنة الثالثة وهي الحادثة التي تزامنت مع فصل الطالب الشاعر فيما بعد التجاني يوسف بشير.
يعتبر العام 1932، عام انطلاقته في عالم كتابة الشعر وذلك بعد فصله من المعهد العلمي وتحديدًا بعد متانة علاقته بالشعراء التجاني يوسف بشير وأبو بكر محمد عليم .
عرف أبو الروس كمسرحي، إذ كتب وأخرج مسرحية (خراب سوبا) ومسرحية (الهموم) التي جسدت معاناة الإنسان السوداني في السعي لتربية الأبناء، وعرف كذلك ككاتب سيناريو في المسلسل الإذاعي النار من مستصغر الشرر وذلك في العام 1957 م. وهو مؤلف مسلسلات إذاعية، وعمل كذلك في الصحافة كصحافي وممثل ومنولوجست وحافظ وراوي للمأثورات الأدبية للكتاب العرب.
تعتبر مسرحية تاجوج أحد روائع ما كتبه خالد أبو الروس للمسرح، زائدًا عمله كممثل في عدد من المسرحيات الخالدة مع الرواد المسرحيين صديق فريد وبابكر بدري.
عمل في مدرسة واحدة 43 عاماً، وقام بتأليف وإعداد مسرحية (تاجوج) عام 1932م قبل مسرحية المك نمر للعبادي، ثم قام بالتمثيل فيها بمعونة صديق فريد وبابكر بدري. وله بالإضافة إلى هاتين المسرحيتين مسرحية (إبليس) الشهيرة و(طرشقت) و(السبعة الحرقو البندر) و(البعاتي) وغيرها من روايات الفصل الواحد، ومنها: (مقتل غردون، أكتوبر، الحب والمال، وكرري) وغيرها. عمل في جريدة النيل منذ تاريخ فصله من المعهد العلمي وظل بها حتى منتصف الخمسينيات كما عمل مخبراً ومحرراً فنياً في (جريدة الناس) لصاحبها محمد مكي، وكان مشهوراً بالهجاء وإشعال المعارك السياسية والفنية، وهو من رواد الأدب السياسي الساخر وكتب بعضه عبر باب (حاج أم قلة) و(حديث الغابة). وفي تجربة فريدة من نوعها أصدر ومول من موارده الخاصة مجلة (أضحك) ولكنها لم تستمر طويلاً. كان من رواد بل من أساطين (سوق الموية) ملتقى الشعراء والفنانين بأم درمان. وله ملكة كبيرة في كتابة المنلوجات. و(ترام أبوروف) وحكاياته من الموضوعات ذات النصيب الوافر من سخرياته ونقده الاجتماعي. كان والده عبد الرحمن خالد من مشاهير كتابة الدوبيت والشعر القومي ومن مجايلي العبادي وسلطان العاشقين وأبو صلاح ومحمد علي بدري وخليل فرح، فورث عنه فن الدوبيت وساعده ذلك في المسرح الشعري. ورغم ملكته اللغوية (المعهدية) لم يكتب الشعر الفصيح، ولكنه كتب الأغنيات الرائقة العذبة. وكان مولعاً بمقرن النيلين وظهر ذلك في ثلاث من أغنياته، إحداها كانت أول اسكتش سينمائي مصوّر تزامن مع اسكتش (هل تدري يا نعسان) وكانت أغنيته في الاسكتش هي (عايزين نكون على مقرن النيلين سوا .. سوا يا الحبيب) ثم جاءت أغنيته “المقرن في الصباح” للكاشف :(يا حبيبي قوماك ننفرد .. على مقرن النيل الظليل) وفيها تصويره العجيب :
شوف توتي يا المحبوب بدت
كالطفلة باكية تنهدت
ضماها دا النيل الشفوق
والطير عمل في نخيلا سوق
والشمش طلّت شوفا فوق
فسحتنا يا سيدي انقضت
لازم نعود عند الأصيل
لازم نعود
أما الثالثة فهي أغنية احمد المصطفى “ما أحلى ساعات اللقا” وفيها :
قف يا وديع في الملتقى
شوف الطبيعة ورونقا
نيلينا كيف متعانقة
شوف النخيل الباسقا
والنيل يفيض للروض سقا
وزهور رياضنا منسقة
بدت النجوم متألقة
وأسكرنا نسّام الجنوب
الأغنية الرابعة الرهيبة هي صابحني دايماً وابتسم :
صابحني دايما وابتسم
ألقى الملاك بان مترسم
والنور يلوح من وجنتيك
والخُضرة زانت شفتيك
موتي وحياتي بكفتيك
انت الشرف سار ليك اسم
والعفة دائما حفتك..!
ثم الأغنية الحلوة (حيّرت أفكاري معاك أنتَ .. أنتَ وين .. ويييين يا سيدي)
كالشمس في علياك
سامي وجهرني ضياك
واسكرني طيب ريّاك
يا نوري يا ناري
بهواك وما داري
ناسيني ليك طاري
وساكن قريب جاري
أنت وين .. وين يا سيدي..!
خفة ظله وموهبته الشعبية ومقاطعه التي تفيض بالطرافة تظهر في أغنيته : “ردي عليا يا عينيا .. سفرك طال متين الجيّة” :
حداد أنا عند يوم سافرتا
فيهو بكيت وما استغفرتا
بي كل الغواني كفرتا
صفّر قطرك أنتا
يعتبر أبو الروس من الشخصيات صاحبة الانتاج الأدبي والفني التي مازجت ما بين المسرح كتابة واخراجًا وتمثيلًا وكتابة للشعر الغنائي والشعر الخواطري والعمل في الصحافة كصحافي أخبار ومنوعات ومعلمًا ومديرًا لمدرسة متوسطة وفوق كل هذا دراميًا وكاتبًا لمسلسلات إذاعية.
في منتصف العام 1989 رحل أبو الروس مخلفًا تاريخًا ناصعًا لشخص مبدع في مجالات كثيرة.