عثمان حسين وصلاح أحمد محمد صالح .. الأسطورة وشاعر الهوى

عثمان حسين وصلاح أحمد محمد صالح .. الأسطورة وشاعر الهوى

بقلم: أمير أحمد حمد
كما وعدنا في مقالنا السابق بالخبر الثاني لمسيرة أسطورة النغم السوداني عثمان حسين، ها نحن نتناول الخبر بشاعر يعتبر من أبكار الشعراء الذين ساهموا في مسيرة الفنان عثمان حسين، وهو الشاعر والدبلوماسي والاعلامي والصحفي الفني الأستاذ جهير السيرة صلاح أحمد محمد صالح، شاعر الهوى الذي مات فلحق بهواه في يوم الثلاثاء 8 يناير2019 بعد مسيرة حافلة بالعطاء الدبلوماسي، والاعلامي والفني. كان محبًا لمفردة كلمة الهوى، فقد وردت في كل أغنياته على قلتها. مات الهوى واحدة من الأغنيات التي هزت مشاعر المحبين والمستمعين، فقد كانت فتحًا كبيرًا في حياة الفنان، عثمان حسين الفنية، ولحن كلماتها بصورة مذهلة وأضاف لها من نفسه رونقًا، جعلها تلمس وترًا حساسًا في كل من إستمع إليها، وأكاد أجزم أن شاعرها، صلاح أحمد محمد صالح، حينما استمع لكلماته وهي موشحة بهذا اللحن الفريد، إزداد هواه موتًا على موته فقد، ظهرت، حقيقة امكانيات صوت عثمان حسين إلى أقصى مداه بالضغط على قافية بعض من بيوتها فظهرت في أبهى نغم يمكن أن تظهر به:

أنا المظلوم جافاني حبيب
فراقه حار لي لهيب
أنا الحبيت وما خنت
ولعهود الوداد صنت
قضيت العمر في هواهم
نسيت الدنيا إلا هم
فلما نالوا مرماهم جفوني
وقالوا حبي جنون
أنا الأغروني بالجنة
وجعلت غرامهم سنة
سكبت الروح، في نجواهم
وهبت الروح للقياهم

وكأنني ألمح الشاعر حينما انتهى من البيت الذي يقول فيه فلما نالوا مرماهم جفوني وقالوا حبي جنون يلوح برأسه يمنة ويسرى ويضرب كفًا بكف مستنكرًا ذلك، الاتهام والجفوة القاسية التي رمي بها.
كلمات جاءت ملحنة المفردات لتنوع قافيتها التي ساعدت عثمان حسين في تنغيمها الشجي.
ولعل هذه الأغنية حينما شاعت، وعمت القرى والحضر كانت بمثابة دعوة للفنان عثمان حسين أن يكون عضوًا بالندوة الأدبية بأمدرمان التي يترأسها الأديب عبدالله حامد الأمين.
ومن كرامات هذه الندوة على عثمان حسين أن اختار له صاحب الندوة في محراب النيل للشاعر التجاني يوسف بشير لكي يغنيها فكان نعم الاختيار، فقد تجلت ابداعات عثمان حسين اللحنية في هذا النص الفريد، وأنا أعتبرها أغنية وطنية من الطراز الأول.
ولعل من جميل الأغنيات التي جمعت بين عثمان حسين والشاعر الدبلوماسي أغنية ليالي الغرام وهي الأغنية الأولى بينهما وقد منحها له قبل أن يلتحق الشاعر صلاح أحمد محمد صالح بالإذاعة عام 1950م.
جاءت كلمات هذه الأغنية متماشية مع الخط الرومانسي الذي رسمه عثمان حسين لنفسه مع بازرعة وقبله قرشي محمد حسن:

يا ليالي الغرام آه من ذكراك
جن شوقي ليك مستحيل أنساك
في النجيلة الخضراء كنت أجلس ليهو
كنت ألثم شعرو وأيدي في خديهو

إلى نهاية القصيدة التي تشتمل على مقاطع رومانسية حسية جعلت بعض كتاب ذلك الزمان أن يشنوا هجومًا عنيفًا على أغنيات عثمان حسين واتهامها بأنها تخدش الحياء. ولكن عثمان حسين بأدبه الجم وثقته العالية في فنه ورسالته، لم يقدم ولو لمرة واحدة أن يرد على تلك الحملات التي شنت عليه، بل واصل مسيرته حتى مماته. وبالمقابل وجد بعض الكتاب الذين وقفوا إلى جانبه وشجعوا فنه الراقي كالصحفي رحمي محمد سليمان الذي منحه أغنية (ودعتك ودعني وفارقتك فارقني وسيب قلبي في حالو).
استمر التعاون بين شاعر الهوى والأسطورة فجاءت أغنية تحمل كلماتها، أنينًا ودموعًا مسكوبة فمسحها عثمان حسين بلحن هدأ به من روع شاعرها فإنداح اللحن شجيًا في وجدان المستمع السوداني:

يا عيوني أسكبي الدمع الحنين
لو يفيد الدمع أو يجدي الأنين
راحوا منك يا عيوني وانطوى
عهد حبي والأمان والهوى
ياعيوني أبكي دم شوقًا لهم
وأذكري هنائي عندهم

ثم جاءت بعد ذلك نابك أيه في هواه، جاءت بنفس الموضوع الذي حوته أغنياته، السابقة الصدود والجفا من الحبيب رغم اختلاف المفردات. والملاحظ في شعر شاعر الهوى صلاح أحمد محمد صالح، أن أغنياته متعددة القوافي، لا يلتزم بقافية واحدة وتعدد القوافي أتاح لعثمان حسين، أن يبدع في تلحين تلك الأغنيات:

نابك أيه في هواه غير سهاد ونواح
يا فؤادي أسلاه وأهجره وارتاح
ذبت في حبو الحنان قساه
وابتغيت قربو الغرور أعماه
ما سال في هواك وما سمع شكواك
بالصدود خلاك تشقي في هجرانك وهو في أفراح
يبدو أنني قد تورطت وولجت إلى بستان مزدهر تعددت أزاهيره. فهي مختلفة الألوان والشذى، كلما قطفت زهرة وجدت زهرة أنضر وأجمل من الأولى.
بستان عثمان حسين الذي حفته جميل الكلمات وسقته أعذب الألحان، فكانت النضارة صفة ملازمة له. رحم الله الأسطورة عثمان حسين، وشاعرنا الأستاذ صلاح أحمد محمد صالح.