مرايا السبت الأخضر

ولألوان كلمة
حسين خوجلي
مرايا السبت الأخضر
(1)
كنا مجموعة من الأصدقاء بالجامعة نجتمع كل خميس في جلسة بريئة حول شاي اللبن (المقنن) والزلابية الساخنة وقد كلفنا كل واحد منا بحكاية من حكايات التراث لها مغذى ومعنى يمكن أن تضئ الغائم والمعتم في حياتنا الفكرية والسياسية والاجتماعية. وقد أعجب الجميع بأختياري لهذه الحكاية التي مازالت محفورة في الخاطر وأحفظها غيباً. حكاية الخليفة الحكيم البراغماتي معاوية بن أبي سفيان الذي رغم الخلافات والإختلافات كان يحتفي بالخصوم الكبار ويعرف قدرهم خاصة أصحاب الحظوة والفكرة والشجاعة والفصاحة والإعتداد. ومن هؤلاء الأحنف بن قيس الذي عزل ترضية له أميراً في لحظة وأعاده الأحنف متجاوزاً ممراته بتذكية وقد قالها معاوية وهو يعاتب أميرة المعزول العائد (كيف تخاصم رجل عزلك وهو ساكت وإعادك هو ساكت).
وقد كان زياد بن أبيه يقربه ويدنيه، فلما مات زياد وولى إبنه عبيد الله لم يرفع به رأسًا، فتأخرت عنده منزلته، فلما وفد برؤساء أهل العراق على معاوية أدخلهم عليه على مراتبهم عنده، فكان الأحنف آخر من أدخله عليه.
فلما رآه معاوية أجله وعظمه، وأدناه وأكرمه، وأجلسه معه على الفراش، ثم أقبل عليه يحادثه دونهم، ثم شرع الحاضرون في الثناء على إبن زياد والأحنف ساكت.
فقال له معاوية: مالك لا تتكلم؟
قال: إن تكلمت خالفتهم.
فقال معاوية: أشهدكم أني قد عزلته عن العراق، ثم قال لهم: أنظروا لكم نائبًا، وأَجَّلَهُم ثلاثة أيام، فاختلفوا بينهم اختلافًا كثيرًا، ولم يذكر أحد منهم بعد ذلك عبيد الله، ولا طلبه أحد منهم، ولم يتكلم الأحنف في ذلك كلمة واحدة مع أحد منهم.
فلما اجتمعوا بعد ثلاث أفاضوا في ذلك الكلام وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات والأحنف ساكت.
فقال له معاوية: تكلم.
فقال له: إن كنت تريد أن تولي فيها أحدًا من أهل بيتك فليس فيهم من هو مثل عبيد الله، فإنه رجل حازم لا يسد أحد منهم مسده، وإن كنت تريد غيره فأنت أعلم بقرابتك.
فرده معاوية إلى الولاية، ثم قال له بينه وبينه: كيف جهلت مثل الأحنف؟ إنه هو الذي عزلك وولاك وهو ساكت، فعظمت منزلة الأحنف بعد ذلك عند إبن زياد جدًا.
عزيزي القارئ لهذه الحكاية العرفانية ألف وجه فأكتب عنها ما تشاء فهذا زمان حصة الإنشاء حتي وأن لم يصححها أستاذ العربية المشغول بالواتساب.
(2)
* ذات موسم أجرت مجلة سودانية ذكية حواراً توثيقياً مهماً مع صديقنا الفيلسوف والفقيه والشاعر التيجاني سعيد محمود حسنين (دفعة اللواء بكري حسن صالح والدكتور كامل إدريس)، وأحد الدناقلة البيض وصاحب (قلت أرحل) ومن غير ميعاد وصاحب الديوان الذي صدر قبل أوانه (قصائد برمائية).. كنت أنتظر سؤاله عن لماذا ظل عاشقاً كبيراً (أربعين عاماً) دون زواج؟ وكنت أنتظر سؤالاً عن أغنيات له جميلة اغتالها وردي بقامة صوته المسماحة المعطاءة.. ومن النصوص ذات القوام الممشوق والصبا أغنيته التي لحنها الطيب عبد الله (ود اليماني) ولم يحتف بها رغم مباشرتها الرامزة.
زمان لو قالوا عن تاجوج
روائع خلدا الدوبيت
زمان لو روميو مات بالحب
قاسم في العذاب جوليت
بكل ما تحمل الأشواق
من دفقات معاي بتبيت
أنا التايه أنا الهايم وأنا الجنيت
جمالك يا صباح دنياي
صفاء حلفا وجمال توريت
عيونك غيمة والأهداب
طلال لاقيتا يوم طشيت
وكفك في شتاء الأيام كتير
ضميتا واتدفيت
أحبك فوق مشاعر قيس
وفوق لي روعة الأوبريت
بالمناسبة يا التيجاني تلفونك الجديد نمرتو كم وانت في المنافي ونحن نعلم أسود الحزن والتوجع وأنت تغادر أم درمان وترمق بدمعة كبرى أكبر مكتبة خاصة بالسودان. حما الله الأسفار والقراطيس والحواسيب من دمار العصابة أني أخاف أن يكونوا قد أحرقوها في حديقتكم العامرة بالذكريات ليطبخوا عليها (عصيدة بني كربو).
(3)
* نشأ بين تميم أشرف أهل البصرة وترعرع وهو مزهو بشرف ومجد قبيلة وعروبة ودين.
أبعده لسانه المزعج عن حظوظ التقدمة والمال عند ولاة الطرق.. كان لسانه (فلقة) وعموده الصحفي المشاع سوطاً على ظهور الأدعياء من أصحاب اللا عز واللا شرف واللا اعتراف بالضئيل ما دام الولاة صغاراً.. مدح أفاضل الأمويين ورضي عنه الشيعة لأنه مدح زين العابدين حفيد علي بن أبي طالب.
ومما حفظناه له جهراً ورددناه سراً في مواجهة (ناس قريعتي راحت) قوله المبذول بالمديح والمترع بالكبرياء.
منا الذي اختير الرحال سماحة
وخيراً اذا هب الرياح الزعازع
ومنا الذي أعطى الرسول عطية
أساري تميم والعيون دوامع
ومن الذي يعطي المئين ويشتري
العوالي ويعلو فضله من يدافع
ومنا خطيب لا يعاب وحامل
أغرُّ اذا التفت عليه المجامع
ومنا الذي أحيا الوئيد وغالب
وعمرو ومنا حاجب والأقارع
ومنا غداة الروع فتيان غارة
إذا متعت تحت الزجاج الأشاجع
وَمِنّا الَّذي قادَ الجِيادَ عَلى الوَجا
لنجران حتى صبّحتها النزائع
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
* لله درك يا فرزدق فقد أتانا زمان كتب علينا ألا نتحدث بالاسلام، لأن الدستور العربي يمنع الأحزاب العقدية، وكتب علينا ألا نفاخر بعروبتنا لأنها دعوة للعنصرية.
ما رأيك عزيزي الفرزدق في استخراج بطاقة لك نضمك بها للحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم بألمانيا، إن لم يكن في هذه الدورة ففي تلك القادمة؟
(4)
* أمرها أن تحمل ملابسها وحقائبها ومستلزماته، لأنه مسافر شهر العسل، فهو باختصار قد تزوج عليها أخرى.
جمعت كل أشيائها هي تبكي، فلما شارف على قريتهم، قال لها أنا لم أتزوج ولن أتزوج امرأة على أفضل نساء الأرض.. ولكنني أردت أن أشغلك لأن والدك قد توفى فانفرجت أساريرها وقالت الحمد لله. التعدد في بلادنا رغم التخلل السكاني والضحايا والشهداء والكوليرا والمجاعة والعنوسة لم يصبح ثقافة بعد صالحة للتداول والرضا والغضب العابر ..!!
(5)
* كثرت المساجد وقلت في ذات الوقت، لأنها أصبحت مقسمة على المشايخ والطرق والطوائف، حتى صارت الصلاة في بعضها لا تطمئن لها إلا بعد أن تتحسس مسدسك وتخفى المسبحة .. هذا هو الحال في تكاثف المساجد الضرار حتى كاد المستقلون من أهل الاسلام أن يتظاهروا هاتفين أين مساجد الله التي لا تدعو مع الله أحداً؟ مساجد للشعب لا للشركات والشركات وخيمة الغيبوبة لا الغيب .
يا ويل أمة تكثر فيها المذاهب والطوائف والملل والنحل فتخلو من الدين.