التنقاري .. صاحب القلب المأسور وعاشق الجمال

التنقاري .. صاحب القلب المأسور وعاشق الجمال

بقلم: أمير أحمد حمد

الشاعر علي محمود التنقاري صاحب القلب المأسور الذي سلمه إلى من يحب و(قايلو) أمين عليه، ولكن للأسف لم يكن أمين عليه، بل تحداه ونسى تقديره ليه، فصد عنه وتوارى، فجفت عينه. هكذا كتب شاعرنا لافتة تدل على عشقه ومعاناته مع من يحب وماوجده من نكران وصد وجفاء ولونت هذه اللافتة بألوان صوتية عذبة وقد علقت هذه اللافتة في وجدان الشعب المحب للطرب من عجم وعرب.
ولد شاعرنا التنقاري بمدينة أمدرمان بحي ود أرو في 1918م، وهو ينتمي إلى أسرة دينية منحدرة من منطقة جبل أم علي جنوب كبوشية، جده الشيخ حامد أبوعصاية سيف، كما يحلو لمريديه ومحبيه من أهل التصوف أن يطلقوا عليه هذا الاسم (عصاية سيف) وهو جد العمراب الذين استقر جزء كبير منهم في أمدرمان خاصة في حي الموردة والعرضة والبوستة وسمي حي كامل بين البوستة وحي العرب بحي العمراب الذي كانت نساؤه يتمتعن بالجمال والأدب الذي كان مصدر إلهام لكثير من شعراء أمدرمان وواحدة من هذه الإلهامات ما كتبه الشاعر عبد الرحمن الريح متغزلا في جمالهن ماذكره في أغنية جافوني الأحباب، إلى أن يصل إلى: لاحول من نيراني أنا منها في استغراب جامل ولا تكون عامل عن العشوق اضراب أدركني وأرحم حالي يا شادن العمراب. وقد صدح، بها المعتق محمد أحمد عوض.
إلتحق علي التنقاري بخلوة بحي ود أرو حفظ فيها ما تيسر له من القرآن، ثم انتقلت أسرته إلى المسلمية ثم عاد إلى أمدرمان لوحده تاركا والديه بالمسلمية وعمل بالتجارة مع عمه صديق الشيخ في سوق أمدرمان.
استقر أخيرا في حي العرب (فريق الصحة) وهو جزء من، مرابيع حي العرب الداخلية وسمي بهذا الاسم، لأن منازله تطل على، حوش الصحة من الجهة الشمالية. كان دكانه في سوق أمدرمان منتدى شعري تنادى إليه شعراء الحقيبة من كل حدب وصوب أمثال ود الرضي وبطران وسيد وعبيد ويوسف الحسن والد لاعب المريخ أبو العائلة والعبادي وعتيق وعبد الرحمن الريح وعمر البنا وأبو صلاح والذي كان من أعز أصدقائه وكان للفنانين مكان في الدكان علي رأسهم الفنان رمضان حسن.
يعتبر الشاعر التنقاري من شعراء الحقيبة المتأخرين هو و ود الريح وتكاد تكون أعمارهم متقاربة وكذلك بدايتهم الشعرية. وقد كانت بداية التنقاري بداية قوية فقد كانت مع الكبار فقد غنى له كرومة أول أغنية وهي أغنية (عشان بحبو) وتلتها أغنية (سهران دمعي ساكب وأنا اهوى الكواكب) وهذا إن دل إنما يدل على جودة شعره وعذوبته للدرجة التي أقنعت عبقري الألحان السودانية كرومة أن يلحن له كما غنى له أيضا كبير آخر ورائد المدرسة الوترية في السودان الحاج عبد الحميد يوسف عاشور أغنية لي أماني جميلة عساي يجود حظي وأكون سعيد وأنيله لي أماني جميلة يحلو لي ذكراها لي أماني جميلة كيف أوفي ثناها .. إلى آخر الأغنية الجميلة. كذلك امتد تعامله مع أسطورة النغم الشجي الأستاذ عثمان حسين، الذي شدا برائعته كيف لا أعشق جمالك مارأت عيني مثالك والتي وفق عثمان حسين في وضع لحن رائع يتناسب مع كلمات الأغنية. كما غنى له عثمان حسين أغنية أخرى وهي أنا بعشق أمدرمان. كما لا ننسى أيضا رائعة التنقاري التي وهبها للفنان المجيد محجوب عثمان ابن مدني وهي أغنية القلب المأسور والتي يقول في مطلعها مالو قلبي الأسروه هواهم واصطفاهم وبي ودادهم اشتروه هم أنسي وسلوتي هم أزاهر روضتي هم بوادر عطفتي وهم مرادي وبغيتي تصطفيهم مهجتي وفؤادي، الأسروه. وكذلك غني أيضا محجوب عثمان من كلماته كتير يا روحي، مشتاق ليك والتي إزدانت جمالا وحنينا بصوته الطروب وكذلك أغنية تسابيح وغيرها من الأغنيات. وإن نسينا لا ننسى، رائعته التي بدأنا بها، المقال أغنية تحدي والتي ظفر بها رمضان حسن الذي كان واحدا من حيران الشاعر في دكانه بسوق أمدرمان، وهي واحدة من كراماته اليه والشهيرة بأنا سلمتو قلبي وقايلو أمين عليهو تحداني ونساني ونسى تقديري ليهو .. وقد أبدع في أدائها أيضا الباشكاتب محمد الأمين في تناوله لأعمال الرواد. ولكن يبقى لنا أن نشير الى ثنائيته الكبيرة التي جمعته مع أم كلثوم السودان، الفنانة الرائعة عائشة الفلانية، رغم أن بدايتها كانت مع اسماعيل عبد المعين ورغم تعاملها الكبير أيضا مع الشاعر بشير محسن إلا أن ثنائيتها مع التنقاري كانت الأشهر والأقوى، حيث تغنت له بأكثر من ستة عشر أغنية وأشهرها تلك الرائعة التي لحنها لها التاج مصطفى وهي: صدود التي مطلعها
عني مالم صدوا واتوارو حظي عاكس ولا هم جارو
فهي حقا من جميل أغنيات الفلاتية أداء وشعرا ولحنا
ولنا إن شاء الله في مقال آخر وقفة مع ثنائية التنقاري، والفلاتية في مقبل الأيام القادمات إن بقي في العمر بقية. الرحمة والمغفرة لكل الذين ذكروا في هذا، المقال وموفور الصحة والعافية للذين هم على قيد، الحياة.