بروفيسور مكي شبيكة .. شيخ المؤرخين السودانيين

بروفيسور مكي شبيكة .. شيخ المؤرخين السودانيين
بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ
شهد العام 1905 ميلاد شيخ المؤرخين السودانيين في قلب أسرة تهتم بالتعليم والعلم فكان أن تدرج بصورة ملفتة للمعلمين في كلية غردون التذكارية بقسم العرفاء الذي يختص بتخربج المعلمين للعمل بالمدارس فكان أن تمكنت منه حالة شغف بالغ بالقراءات التاريخية ومقارنتها بالحاضر الذي يعيشه.
للبيئة التي نشأ فيها متنقلًا ما بين الكاملين ورفاعة وأمدرمان حيث أهله ومواقع عملهم بالتجارة والزراعة سببًا أساسيًا في معرفته الجيدة بتاريخ السودان حيث كان صاغيًا باهتمام لحكايا السودان القديم من والده وجده وأهله أصحاب المعرفة بالقراءة والكتابة وفوق ذلك اهتمامهم بتعليم أبنائهم في المدارس النظامية.
ثم هاجرت أسرته بعد كرري الى رفاعة وهناك أسسوا أعمالًا تجارية وزراعية مرموقة في الجزيرة وأسهمت أسرته في أعمال الخير فساهموا في بناء المدراس ايمانًا بأهمية التعليم ورفع الجهل.
بعد تخرجه من كلية غردون التذكارية إلتحق بالعمل معلمًا متدرجًا من تدريس مادة التاريخ بالمدارس الوسطى إلى معلم للمادة بكلية غردون التذكارية التي رأت إدارتها نبوغه الفذ وقدراته الأكاديمية الواضحة، فكان أن أبتعث في العام 1934 الى بيروت حيث الجامعة الأمريكية بها فنال قسطًا محترمًا من علم التاريخ فكان أحد الباحثين فيه بجد واجتهاد كبير. ثم عاد مرة أخرى للدراسة بكلية غردون وتخرج منها بامتياز لذلك عين في العام 1937م استاذًا للتاريخ ثم اتندب للعمل في المدارس الوسطى لفترة ثم عاد للكلية ثم عين محاضرًا بالكلية وهو من قلائل الاساتذة بها الذين درسوا بها ثم عملوا بها أساتذة ثم رؤساء أقسام بها ثم عمداء لكلياتها وربما يكون أول من نال هذا الشرف طالبًا ومعلمًا ورئيسًا لقسم ثم ممتحن لطلاب الماجستير والدكتوراه.
ساهم مكي شبيكة في النشاط الوطني في كل مراحله حتى الاستقلال وفي هذا كان من مؤسسي مؤتمر الخريحيين حين تأسيسه في العام 1938، كما قدم العديد من المقالات والبحوث إلا أن نشره لكتابه المهم (السودان في قرن)، وهو الكتاب الذي وضعه علي قمة الأكاديميين في مجال علم التاريخ وذلك في العام1947م وهو الحدث الأبرز في تلك الفترة لتوثيق الحياة بمختلف أشكالها في السودان.
نال درجة الدكتوراة في التاريخ من جامعة لندن كأول سوداني ينال هذه الدرجة العلمية، كما قام باعداد بحث قيم عن (الثورة المهدية) في العام 1949م ووضع مؤلف بعنوان (السياسة البريطانية في السودان1882-1902م) وهو مؤلف بالانجليزية
وضع كتاب (السودان المستقل) بالانجليزية 1959م واصدر بعدها مؤلفة القيم الحاوي السودان (عبر القرون) الذي صدر من لجنة التاليف والنشر بمصر وهو مؤلف جامع مانع. ثم اصدر كتاب (تاريخ شعوب وادي النيل مصر والسودان) من دار القافة في بيروت في سنة 1956م. وقدم عدد من المحاضرات حول تاريخ السودان وهي المحاضرات التي اهتمت بها وحدة ابحاث السودان بجامعة الخرطوم ، ثم طورت محاضراته الى كتب مثل (الخرطوم بين المهدي وغردون) وكذلك مؤلفه (مقاومة السودانيون للغزو والتسلط)، ثم وضع كتاب من 4 أجزاء بعنوان (السودان والثورة المهدية).
أشرف شبيكة على أكثر من 50 رسالة ماجستير ودكتوراة ووضع كتابًا عن (حوادث 1924م) وهو مخطوط لم يطبع وكتاب عن (العرب والسياسة البريطانية). كما عمل بالكويت أستاذًا لمادة التاريخ ومشرفًا على رسائل البحث العلمي.
منهجية البروفيسور مكي شبيكة قامت على البحث المضني في الوثائق والمراجع وتميزت مادته المكتوبة بالدقة المعرفية. وإتسم بأنه لم يضع أفكاره أو آرائه الخاصة بل تعامل بكل أمانة وهي الصفة التي جعلت من منتوجه الكتابي باق يدرس ويعلم وهو واحد من أهم المراجع المعرفية في تاريخ السودان.
بقي أن نقول أنه أول من منح درجة الدكتوراه من بين السودانيين.
وفي يناير من العام 1980 رحل شيخ المؤرخين السودانيين تاركًا الباب مفتوحًا لاجتهادات المؤرخين والباحثيين وسيرة عطرت السودان بعلمه ومؤلفاته. طبت في مرقدك أيها العالم الثبت والمحقق المميز وأستاذ الأجيال.