شيء من ماضي الذكريات

ولألوان كلمة

حسين خوجلي
شيء من ماضي الذكريات
(1)
* أكمل الخطاط العبارة على صندوق الحافلة الجديدة ونقش في (حرفنة) اسمه (وهاتفه) لزوم الاتصال لمن يطلب الخدمة وإعلان دائم لمن يشاهد ويركب.. تجمع السواقون حول اسم آخر عربة في الخط وأزاح الخطاط الوريقة بعد أن جف الحبر على خد السيارة فكان الاسم لدهشتهم (الإنقاذ) سألوا صاحبها ولماذا الانقاذ فقال بنصف ابتسامة (عشان ما تنقلب)!!!
السودانيون أصبحوا عباقرة في النكتة يقتلعون منك الابتسامة والدموع الهواتف تكاد أن تروي الصدر والمشاعر، لكن المسكين لا يدرى بأن المقادير في كثير من الأحيان تتربص وتفعل فعلتها تحت نصاعة الأية: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).
(2)
* لا أجد تعبيراً أصدق من عبارة علي بن أبي طالب والخوارج يفارقونه ويلومونه كيف يرضى بالتحكيم وهو يعلم أن الحكم لله وليس للأشعري ولا لابن العاص.
ولأن فيهم أصدق مقاتليه وحماته فقد قال للذي أغلظ عليهم في القول وأخرج مثالبهم
أنهم أخوتنا
طلبنا الحق فوجدناه
وطلبوه فلم يجدوه
هذا ما قاله أبو تراب
فيا ترى ماذا يقول المنضون تحت لواء عصابة دقلو من أبناء القبائل السودانية الراسخة وماذا نقول نحن وماذا يقول التأريخ الذي استدار دورته كاملة حتى عاد كهيئته الأولى. صحيح أن الترقيب كبير وصحيح أن السودان قد تم بيعة لقاء رواتب المحاربين والمرتزقة من بني جلدتنا أو القادمين من وراء الحدود ولكن عليهم أن يعلموا علم اليقين بأن هذه الدراهم الحرام لن تكفي علاج السرطان ولا داء الخيانة.
(3)
* وعندما وطأت أقدام الشاعر الراحل محمد عبد القادر كرف أرض أثيوبيا قبل الانفصال ذهب إلى أسمرا وسال عن قبر عميد فن الغناء السوداني الحاج محمد أحمد سرور 1901- 1946 وكتب الأبيات التالية بل نقشها ومازالت موجودة (وهو بالمناسبة معلم وشاعر وباحث وخطاط)
سبّحت أول ما صدحت مغردا
باسم الديار وكنت أبرع من شدا
ولك الروائع من أغانيك التي
مازال يسري في النفوس لها صدى
يا باعث الفن الأصيل تحية
من شاطئ النيلين يغمرها الندى
تغشى ثراك وتستهل غمامة
تهمي وتسقي بالدموع المرقدا
ترى متى يقوم متحف الإبداع السوداني الذي نجد فيه أسطوانات سرور وديوان كرف والآخرين؟ وها انا ذا أسحب رجائي وعشمي فقد حرقت المليشيا كل ما تركناه تراثاً من مشاهدة وسماع وتشكيل بعضه سرقوه وبعضه باعوه (بتراب القروش) وبعضه أحرقوه لان أنفسهم العاطلة عن المهوبة والأبداع لم يضيفوا لمخزوننا الثقافي العريض لا بيت شرود ولا نغمة هائمة ولا مثل يعزي الأنفس ويظلل المواقف هم يجيدون الحريق فقط وبذات اللهب سوف يحترقون فلا مكان للعدمية والعدميين في قلب بلادنا الحبيبة وما إنتصارات كردفان ببعيدة إن كانت هناك برقية للفاشر الحبيبة صبراً آل ياسر فأن موعدكم الجنة.
(4)
* كتب البروفيسور عبد الله الطيب مقال عن الحكومات الأمدرمانية الخرطومية، قائمة على المحاصصة والترضيات والشلليات الباهتة الباردة وهي حكومات لا تكتب لها الحياة لانهاء بلا حياء وفاشل من بها يستعين، ولكن بيت القصيد عبارته (عادة تضييع القوم لمن يكون مفرط النجابة من أبنائهم قديمة ولعل أصلها عربي.. وأن منشأ ذلك من حب المساواة الذي يخالطه نوع من الحسد). ولا تعليق
بالمناسبة ماذا فعلت بورتسودان بحكومة الأمل التي أصبحت تشبه في الِسفر (مأثورات المهدي المنتظر).
(5)
الأمير والحسيب النسيب الذي فرض علينا وفرض على أتباعة لم يقابل يوما الصحافة ولا الإعلام ولكنه خاصم كل الذين تعرفهم الصحافة ويعرفهم الإعلام ولا يعرفونه، ويبدو أن (ضبح الكديسة قد انتقل من ساحة الزفاف الى ساحة العمل السياسي)، ويبدو من واقع الحال أن نتائجه أجتماعياً وسياسياً مازالت باهرة وواعدة. ما دام الثمن بأن تلبس جلباب الضريح وتتجول في فنادق نيروبي وتبصم على برنامج الجهلة والخونة والمارقين فليذهب السمسار الاجنبي ل(اصل الجثة) وليشحنوا لنا عطر الضريح وعباءة الأمام الغائب.
(6)
أعظم إنتقاد يمكن أن يقال في حق هذا الحزب العتيق ما أستلفنا له عبارة الإمام الشيخ محمد عبده: (من الناس من يحبون أن يقعدوا في صندوق من الجهل ويقفلوه على أنفسهم حتى لا يأتي فاتح يفتحه ويفرج عنهم). أما أعظم حكمة تقال في قادته من بصم ومن ساوم ومن صمت ومن قبض أنهم (أضافة حقيقية للمسرح السوداني).
(7)
أغلى جملة قالها المحجوب وهو يغادر إلى لندن بعد إنقلاب مايو وظل يرددها حتى حفظتها وردية العمل بالدرجة الأولى حين كانت سودانير تنافس بريتش أرويز ولفتهانزا (نلتقي الكثير من الرجال الذين يتكلمون عن الحرية.. إلا أن القليل منهم من لم يسهم في صنع قيودها)..
دعونا نستثمر العبارة ونفجر المسكوت عنه (ترى هل سكت المحجوب عن إنقلاب أولاد الهاشماب ورفاقهم رغم أن كل المعلومات (فايتة أضانو) وكان رئيساً للوزراء ترى هل أراد أن يعاقب الصادق فعاقب كل الشعب السوداني) أعزائي من يجرؤ على الكلام؟!!!
(8)
المعركة في كثير من الأحيان والثورات والمظالم لا تقع في الكم ولكنها تقع في الكيف وقد استوقفتني عبارة ابن السمّاك المتمرد
لولا ثلاث لم يقع حيف ولم يسل سيف:
لقمة أسوغ من لقمة
ووجه أصبح من وجه (أو أملح)
وسلك أنعم من سلك.
* أرجو وفي الحصة الأولى أن يخرج أي مدرس طباشيرة الصباح ويقرأ الفاتحة ويكتب ويعاود حتى يحفظ التلاميذ
جعلي ودنقلاوي وشايقي أيه فايداني
غير ولدت خلاف خلّت أخوي عاداني
خلوا نبانا يسري مع البعيد والداني
يكفي النيل أبونا والجنس سوداني