د. عمر كابو يكتب: الأزرق .. نم هادئًا إن الغراس وريفة

ويبقى الود

د. عمر كابو

الأزرق .. نم هادئًا إن الغراس وريفة

** كأنما قد كتب على هذا القلب التسفار في غمام الحزن وحده يعزف لحن (الألم) بأنين النأي يمني القلب الكسير بأكليل الفرح..
** قدره اليوم أن يفجع فجيعته الكبرى برحيل جد مر إنه رحيل الدبلوماسي عبدالله حمد الأزرق سليل الإمام الشيخ الأزرق مركز الفقه المالكي في السودان وأحد أبرز فقهائه الكبار..
**جل المصاب ألا يا عين فانسكبي..
لا حس بعدك للأشعار والأدب
ما إن رحلت نعاك الكون مبتئسًا ..
ووزع الرزء بين العجم والعرب..
** إنه رحيل دبلوماسي موسوعي وأديب ألمعي وصحافي نابه وخطيب مفوه وشاعر موهوب ومؤرخ بارع..
** تلفت في أوائل ذهاب الإنقاذ يمنة ويسرة في أيام الشدة الأولى تلك علني أجد قلمًا مصادمًا أشدد به أزري وأشركه في أمري..
** فلم أجد سواه : كاتب متدفق لديه حس فلسفي تأملي عميق يحفر في باطن الأشياء وجوهرها..
**فقد خاض قلمه غمار النقد اللازع للقحاطة (الله يكرم السامعين) وواجههم بحزم وصرامة ببصمة أسلوبية مميزة رفيعة الأداء ناضجة الأدوات..
** كنا قد انتهينا إلي اتفاق يقضي بأن يكتب مقالتين في اليوم الأولى حملت اسمه وتوقيعه والثاني اختار لها اسمًا مستعارًا ظل سرًا دفينًا بيننا لا يعرف حقيقته حتى الآن إلا قلة قليل من الثقاة..
** بينما كلفت بأن أكتب ثلاث مقالات في اليوم (كابوية) و(ويبقى الود) و(مقالتي لهذا المساء) والثالثة جاءت تعليقًا على مقالة منتقاة من الآخرين..
** لا أدري أثر وتأثير مقالاتي على الرأي العام في تلك الأيام لكن كنت أدري بأن أثر وتأثير مقالتي الراحل المقيم على الرأي العام عظيمًا بالدرجة التي يزعم فيها المرء بأنها كانت سببًا مباشرًا في هز ثقة الناس في أنجاس ومناكيد قحط..
** بلغ هذا الأثر مبلغًا جعل الناس يتساءلون في اعجاب عن هذا الكاتب العملاق (هنا أقصد الاسم المستعار) الذي يعبر دومًا عما يجيش بخواطرهم يقرأ واقعهم قراءة مضيئة مفعمة بالحيوية والرضا والبشريات ويستشرف المستقبل بروح التفاؤل المشرقة (كنسًا للقحاطة) ..
** فقد ملك موهبة طاغية في تصوير المشاهد والأحداث متحريًا الدقة والواقعية لم يذهب إلى تجنيح الخيال أو يفرط في التنظير..
** نعم واجه باطل الشهور الأولى لفوضى وعبث وآلاعيب الفترة الانتقامية بقوة وشراسة وروح لا تجيد مهادنة العاصفة الهوجاء ولا ترويض المهرة الجامحة لتحدث مقالاته هزة عنيفة أصابتهم بالدوار..
** كنا سويًا قبل النشر والتوزيع الذي كلفت به نتبادل المشورة ولقد أفدت من اطلاعه الواسع ومعرفته العميقة فوائد جمة..
** وأول تلك الدروس أنه رائد مدرسة ترفض تبخيس الناس أشيائهم وتتجنب منزلة المكابر الذي يخطئ كل قول ويعيب كل رأي ،،باب كل الفوائد يؤنس النفس ويثلج الصدر..
** أما عبدالله الأزرق الشاعر فهو حساس مصقول النفس مثقف العقل خفيف الروح أنيس المحضر مع قدرة على التأمل في دعة وسكون وطمأنينة..
** أهلته لأن يكون شاعرًا ضخمًا مطبوعا شديد التأثر بمظاهر الحياة المختلفة استطاع أن يوفق بين الديباجة الفصحى والروح العامية مسكونًا بدهشة المعنى..
** لينطبق عليه قول ابن رشيق في كتاب العمدة في بروز نجم المتنبي : (ثم جاء المتنبيء فملأ الدنيا وشغل الناس).
** سنحت لي الحياة ومنعرجاتها أن أحتك بالرجل فترتين الأولى أيام حملة الزعيم كرم الله عباس الشيخ مرشحًا لمنصب والي ولاية القضارف فقد ظل الرجل داعمًا ومساندًا ومؤازرًا بشدة..
** والثانية كل الفترة التي أعقبت ذهاب الإنقاذ فقد كنا على تواصل رحيم رحيب حتى وصوله القاهرة يوم اتصل علي وأخبرني أنه جاء مستشفيًا ..
** تلك سنوات مكنتني من معرفة الرجل عن كثب يحمل قلب طفل في اعتدال تواضعه من غير ذلة وفي بعده عن أدب الرياء وبراءته من المكر والخداع والدهاء..
** عاش بسيطًا يؤمن بأن البساطة من مظاهر الصحة والاستقامة في الاحساس والنظر.. تنم عن عافية في سلوكه وسلامة وجدانه واستقامة أصله..
** يعرف الأشياء على حقائقها ويتغلغل إلي دقائقها ويتجافى بنفسه عن مرتبة الساذج الذي يجري مع الظاهر في سطحية دون عمق..
** افتقدته بوصلة تحدد مسارات النفس وذلاتها وتجاوزاتها وسأفتقده نفسًا أبية ترفض التكلف والضعة يستشرف القيم من مرقب عال يرفع إليه القارئ بقوة روحه وسمو نظرته..
** أخي وشيخي رفيق الروح وقد أسلمت الروح إلي بارئها فأنت الآن في كنف كريم جواد رحمن رحيم نشهد أنك صبرت على المرض سنوات طوال لم تشكو ولم تئن واحتملت ذلك في جلد عجيب فرجاؤنا في الله أن يقدمك إمامًا للصابرين المحتسبين..
** نم أخي الحبيب:
نم هادئًا إن الغراس
وريفة تزهى بأكرم تربة وقطاف..
** تعزية خالصة لشيوخنا المجاذيب في القضارف والدامر..
** وتحية خاصة لشيخنا ومولانا عثمان ومولانا حمد ومولانا عمر محمد المجذوب وبروف حسن حاج علي الازرق وكل العترة الطيبة من (الأزرق) ولأسرته زوجتيه وأولاده وبناته..
** اللهم أسالك باسمك الأعظم أن تثبته عند السؤال إنا لله وإنا إليه راجعون..