والحديث دائماً ذو شجون!!

ولألوان كلمة
حسين خوجلي
والحديث دائماً ذو شجون!!
* إن كان السبب من لدن أنفسنا أو من تدبير أعدائنا أو (بين بين) لا فرق.. وفي مثل هذه الأحوال فإن الساسة لا ينتصحون لأنهم من أحباب المغامرة والمقامرة والتجارة..
نصيحتي لقبيلة الشعراء بأن يلجأوا اختياراً للترميز لأن القتل من قبل الدخيل لا محاكمة بعده ولا قبله ولكم في سيد عبد العزيز أسوة حسنة، ألم تغنوا معه:
يا الفي سماك مفصول
تنشاف عيان وبيان
ما عرفنا ليك وصول
وما دنيت أحيان
إنت الخطاك أصول
يعلم الديان
مثلت فينا فصول
ما بدرسها النسيان
أغنية كالرثاء ومن غير تدبر رقصت على أنغامها كل الجميلات الغافلات.
لقد تقاصر (سيد) فلم يبالغ في الإيذاء مثلما فعل سفاح بغداد القديم حين قتل أحد أحفاد الطالبيين وأحرقه وجعله رماداً ونشره على دجلة والفرات ورأى من على البعد الدمعات تترقرق في أعين الأحباب والأتباع والهاشميين فقالها في جفاء ومضى: (والله يا أهل العراق أنكم لتشربونه في مائكم وتأكلونه في طعامكم)..
فكيف يا ترى شرب وأكل العراقيون الآن من الهاشميين والصالحين والأتقياء الأخفياء؟!!!
ومضى الأجنبي وهو لا يبالي.. وترك بقية عظام ومشاش ومقابر مجهولة في عراء الله.
* تخرج قبل سبع سنوات في تخصص نادر، جرب كل مظان العمل ولم يلتفت له أحد.. وصار من هواياته اليومية الوقوف أمام كل لجان الاختيار الداخلية والخارجية وعاد من منفاه بخفي حنين.. سافر الى قرية نائية وعمل في مشروع قاس (عامل يومية) ليست هذه هي المشكلة، المشكلة أن المشروع كان يفتقر للحد الأدنى من العناية الصحية أوصلته الكوليرا لحافة القبر.. وعندما رحل بلا ضجيج وجد أهله في جيبه المهترئ أحد مبكيات مطر:
مات الفتى
أيُّ فتى ؟
هذا الذي كان يعيش صامتا
وكان يدعو صمته أن يصْمُتا
وكان صمتُ صمتِه يصمت صمتا خافتا!
مات متى؟
اليوم
لا.. هذا الفتى عاش ومات ميِّتا
* جلس طاؤوس اليماني الزاهد يوماً بجوار أحد أبناء الخليفة سليمان بن عبد الملك وهو بكامل هيئة وزينة الأمراء.. فلم يحفل به ولم يلتفت إليه.. فقيل له: هذا ابن أمير المؤمنين؟ قال أعرفه وقد أردت أن أعلمه أن لله عباداً يزهدون فيه وفي أبيه.
(يا سلام يا مولانا)
* ومما يحفظه أهل السودان لسلطان العاشقين سيدي عمر بن الفارض:
وعن مذهبي في الحب مالي مذهب
وان ملت يوما عنه فارقت ملتي
وان خطرت لي في سواك إرادة
علي خاطري سهوا قضيت بردتي
* ومما يغري بالحفظ والاحتفاظ قول الحكيم:
كل الأمور تبيد عنك وتنقضي
إلا الثنـــاء فأنــــه لـك باق
لو انني خيـرت كل فضيلة
ما اخترت غير مكارم الأخلاق
(والله أنه لاختيار)
• الاخوة وزراء الخارجية العرب:
لن تبلغ الأعداء من جاهل
ما يبلغ الجاهل عن نفسه..
أما برقيتنا لوزراء الدفاع العرب فأن وقتها قد فات ولا عشم لنا في القادمات. هل سمعتم يوماً انهم قد أجتمعوا أو انهم قد إنفضوا (لست أدري)
* وللأقباط .. (الأخوة حكمة) ومكرم عبيد من مآثره أنه الوحيد الذي عزى أهل الشهيد حسن البنا في مصابهم واقتحم البوليس الحربي وشق صفه وهو يقول: (يا أولاد الأيه تمنعوني عزاء شيخ البنا) ومن حكم الرجل الباقيات (ان الحاكم إذا اشتهى فقد إنتهى) أما في العالم العربي يا مكرم فإنهم يشتهون ولا ينتهون!!
(إن للحواريين واليسوعين في زمانا المعاصر شجاعة وهيبة واعتداد رحم الله مكرم عبيد فقد كان سياسياً يشرف مصر ويشرف السودان) ورحم الله التجاني يوسف بشير حين قال:
كُلَها في الثَرى دَوافع خَير بنت وَهب شَقيقة العَذراء
* قال لي هذا الظريف إن صمت هذا السياسي يخيفني فعلى ماذا ينطوي؟ قلت إن أقوى شعاراته التي لا تخيب:
دع التقارير تجري في أعنتها
ولا تبيتن إلا خالي البال
ما بين طرفة عين وانتباهتها
يغير الله من حال الى حال
* كثيرون هم الساسة السودانيون والعرب الذين يشبهون امرؤ القيس في حبه للأجنبي قيصر القديم وترامب الجديد، ألم يوثقها الملك الضليل صراحة وأخفاها هؤلاء مع أن رائحة الخيانة قد سدت الآفاق: ألم يكن هو القائل:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنما
نحاول ملكاً أو نموت فنـعـذرا
هلك أمرؤ القيس حينما أهدوا له حلة مسمومة وتساقط جسده قطعة قطعة وهو يتجه صوب الجزيرة العربية خائباً من الأمال والاحلام ومات ودفن في مكانٍ بعيد وسحيق.
* كان أستاذنا المجاهد الراحل سليمان مصطفى أبكر معي في زنزانة واحدة بكوبر يشرب وفجأة يدلق الماء ويأكل وفجأة ينفض يده عن الطعام ويقول ود السلطان الداعية باكياً:
ولا يعرف الظمآن من طال ريّه
ولا يعرف الشبعان من هو جائع
رحم الله سليمان مصطفى أبكر فقد مضى دون أن يرى تمزق دارفور كاملاً ولا شتات اخوته هدراً غير منقوص على يد الشتات والغرباء والمرتزقة ويبقي الحديث دائماً ذو شجون.
* قال لي هل عجزت عن الكتابة في أشراف الأمور وقادة الأزمة والانقسام في كل العالم العربي يزحمون الطريق؟ صمت وقد عاودني هجاء الشاعر المصري ولي الدين يكن حين هاجم شوقي وعاودتني دمعة شوقي الذي تأخر في توثيق الانقلاب العثماني وآلمه العتاب فحالي مثل تلك الحال بيد أني أقل فصاحة وصدقاً من أمير الشعراء القائل:
أَنا إِن عَجِزتُ فَإِنَّ في بُردَيَّ أَشعَرَ مِن جَرير
خَطبُ الإِمامِ عَلى النَظيمِ يَعُزُّ شَرحاً وَالنَثير
عِظَةُ المُلوكِ وَعِبرَةُ الأَيّامِ في الزَمَنِ الأَخير
أما معارضة ولي الدين يكن التي جاءت أقل قامة من قصيدة شوقي إلا أنها خلدة لأنه تعالى على الرجل الكبير بقصيدة أقل مكانة ومعني وقد كتب للرجل هذا الزيوع لأنه إتطف المناسبة ومنها :
هاجتك خالية القصور
وشجتك آفلة البدور
وذكرت سكان الحمى
ونسيت سكان القبور
وبكيت بالدمع الغزير
لباعث الدمع الغزير
لما أديل عن السرير
بكاه عبّاد السرير
(والمعني واضح معن يجيد التطواف على الكثير من العواصم العربية والأفريقية).