
عبد اللطيف السيدح يكتب: شبكات الظلام وسماسرة التأشيرات
شبكات الظلام وسماسرة التأشيرات
عبد اللطيف السيدح
في زاوية حالكة من واقعنا السوداني، تتكوَّن ممارسات غير سليمة تفتك بأحلام الناس وتغتال الفرحة بالوصول إلى رحاب الله الطاهرة ويتم ذلك بفعل تنسيق محكم وجريء وواضح بين بعض مكاتب الاستخدام الخارجي وسماسرة التأشيرات وبعض الوكالات التي احترفت ابتزاز الناس بلا رحمة، في مشهد عبثي لا يُرضي الله ولا عباده، ولا يمت للأمانة ولا للإنصاف بصلة.
ففي الوقت الذي يبذل فيه سعادة سفير خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بمدينة بورتسودان الأستاذ علي بن حسن جعفر ومعاونوه جهودًا مباركة مشكورًة في تسهيل منح التأشيرات للراغبين في الوصول إلى المملكة العربية السعودية التزامًا بتوجيهات القيادة الرشيدة حفظها الله التي تسعى دومًا لدعم واستقرار ورفاهية الشعوب الصديقة تصطدم هذه الجهود بجدار من التحايل والتعطيل المنهجي داخل السودان، إذ ظهرت ممارسات مريبة تقوم بها بعض مكاتب الاستخدام ووكالات السفر التي تضع العراقيل عمداً في وجه التأشيرات، وتتعامل معها كأنها امتيازات ممنوعة، لا تُمنح إلا بشروط تعجيزية أو بمسارات ملتوية، في مخالفة صريحة للقانون ولأخلاق المهنة.
وبذلك يُرغم المواطن السوداني الفقير، على الرضوخ والوقوع في براثن تلك الشبكات، ثم يُفاجأ بطلبات تعجيزية بدفع مبالغ خرافية تصل في كثير من الأحيان إلى مليون جنيه سوداني (ما يعادل مليار جنيه بالقديم)، نظير خدمات لا تكلّف شيئًا في الأصل، وتأشيرات الزيارة يُفترض أن تُمنح مجانًا. أما عن تأشيرات العمرة فحدث ولا حرج فقد وصلت تأشيرة العمرة اليوم مبلغ 2500 ريال للتأشيرة واحدة لتسجل بذلك أعلى وأغلى تأشيرة عمرة في العالم مع العلم أيضا أن المملكة العربية السعودية تمنحها مجاناً. إن مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية البديلة أصبحت وكرا كبيراً للفساد ومرتعا خصباً للسماسرة الذين جاءوا من كل مكان ليشكلوا عصابات أخطر من المليشيا ومسيراتها على أهل السودان.
وهذه الشبكات التي تجمع بين بعض موظفي مكاتب الاستخدام الخارجي والسماسرة الجوالين المعروفين بسيماهم وجلاليبهم ورؤسهم الكاشفة إلا من طواقي صغيرة ملتصقة بمؤخرة الرأس الذين امتهنوا الابتزاز والتغوُّل على حقوق الناس، ويمارسون عمليات احتيال منظم، في غياب الرقابة والمحاسبة، ما يفتح الباب واسعًا أمام الفساد، ويُضعف ثقة المواطنين في مؤسسات يُفترض أن تُيسّر لهم سبل الحركة لا أن تُثقل كواهلهم بمزيد من الأعباء.
إن ما يجري اليوم يُعدّ طعنة غادرة في ظهر الشفافية، ويُسيء إلى سمعة السودان أمام الدول الشقيقة، ويشكّل تهديدًا خطيرًا لقدسية العلاقة بين مؤسسات الدولة والمواطن. فأي منطق هذا الذي يجعل تأشيرة تُباع بمبلغ خرافي؟ وأي ضمير يسمح لموظف وكالة أو سمسار بأن يبيع تسهيلًا يُفترض أنه منحة ومكرمة ملكية؟
إن الواجب الوطني والشرعي يُحتّم على الجهات المختصة التحقيق الفوري والعاجل في هذه التجاوزات، وفتح ملف شفاف لكل الممارسات المرتبطة بمنح التأشيرات، ومحاسبة المتورطين مهما كانت مناصبهم أو علاقاتهم، وردع كل مكتب أو وكالة تُسيء إلى اسم السودان وتنهب أحلام مواطنيه المعذبين في الأرض.
كما يجب تجاوز أو إلغاء التعامل مع مكاتب الاستخدام والوكالات، خاصة فيما يتعلق بتأشيرات الزيارة بكل أنواعها وفتح قنوات تواصل مباشرة بين السفارة السعودية والمواطنين السودانيين إلكترونيا، وذلك عبر منصة تأشير الموثوقة أو أي آليات أخرى تضمن الشفافية وتمنع التلاعب، بالإضافة إلى إصدار قائمة سوداء بأسماء المكاتب والوكالات التي تثبت ضدها شكاوى واحتيالات، ومنعها من العمل نهائيًا، إننا نعيش في مرحلة حرجة تتطلب الحزم والمصارحة، ولا مجال فيها لمجاملة فاسد أو التغاضي عن ظلم. فألآف الراغبين في الوصول إلى مملكة الإنسانية بتأشيرات زيارة للأهل والاقارب يحلمون بالحصول على التأشيرة من غير كدر وهؤلاء لا ينبغي أن يُخذلوا، أو يتم رميهم في أفواه السماسرة الجوعى الذين يبيعون لهم التأشيرات كما تُباع السلع في السوق السوداء، أعيدوا الحق إلى أصحابه، وضعوا حدًا لهذا العبث، فالتأشيرة ليست سلعة، وكرامة المواطن السوداني ليست قابلة للبيع!