الفتيحاب .. أهل الكتاب والركاب

الفتيحاب .. أهل الكتاب والركاب
بقلم: أمير أحمد حمد
ديم الفتيحاب أو ديم أبوسعد يعتبر من أقدم أحياء أمدرمان ويعتبر واحد من المناطق التي شكلت الخرطوم القديمة إلى جانب حي المنجرة وهو حي المقرن حاليًا وتوتي والرميلة والقوز وبري وشمبات والحلفايا. هذه المناطق التي ذكرتها يكاد يكون إنسانها هو المكون الأول لسكان الخرطوم وهنالك علاقات قربى ومصاهرة بينها.
أما الفتيحاب فهي اسم لقبيلة قبل أن يكون اسم لمنطقة، فهي فرع من قبيلة الجموعية تلك القبيلة التي أتخذت أمدرمان موطنها الأصلي، فهي ترقد في الضفة الغربية للنيل تمتد حدودها جنوبًا إلى مضارب قبيلة الحسانية في النيل الأبيض. وتمتد شمالًا إلى حدود الجعليين منطقة قوز نفيسة وما جاورها. هذه المساحة كلها كانت تحت نظارة مك الجموعية محمد ناصر وكانت تتخلل هذه المساحة عموديات تساعد المك في إدارتها وكانت منطقة الفتيحاب واحدة من هذه العموديات ومن أشهر عمدها العمدة بابكر دقشين وأبناؤه من بعده.
والفتيحاب ينتسبون إلى جدهم فتاحة بن منصور بن جموع بن غانم بن حميدان إلى نهاية النسب إلى المجموعة الجعلية وعندما حضر المهدي إلى الخرطوم لتحريرها أول ما نزل نزل في ديم الفتيحاب الذي أسماه فيما بعد باسم أبو سعد لكثرة نبات السعد المنتشر في المنطقة وأهل الفتيحاب هم أهل كتاب وأهل ركاب يعتنون بتربية الخيول وتنمية العقول، فقد أنجبت العديد من النجباء والعلماء والمشائخ في شتى المجالات المختلفة نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ موسى المبارك الوزير بحكومات مايو المختلفة فهو مؤرخ عظيم ألف أهم مرجع تاريخي عن دارفور وهو (تاريخ دارفور السياسي) وكذلك القانونية الضليعة بدرية سليمان عباس مستشارة رئاسة الجمهورية.
وتقف قبة الشيخ أحمد ود سليمان منارة تحدث عن عظمة ذلك الرجل الصوفي المادح لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تتلمذ على يد الشيخ ود بدر وأخذ الطريق على يده.
وقد مدح أيضًا المهدي بالعديد من القصائد وكذلك الشيح علي المبارك الشهير بـ (علي العاشق) الذي ترجم قصائد الشيخ أحمد ود سليمان وأداها بحنجرته التي طالما أسكرت المحبين والمريدين للمصطفى.
والداخل إلى مدينة أمدرمان عبر كبري الفتيحاب لابد أن يلفت نظره ذلك المسجد الصغير في مبناه والكبير في معناه ذلكم مسجد الشيخ عدلان عبدالله فهو يمثل منارة دينية كبيرة فكان مكانًا للعبادة ومبعثًا للدراسات الفقهية والعلمية في الفتيحاب.
وانسان الفتيحاب اشتهر بالكرم الذي فاق كرم حاتم ويكفيه فخرًا أنه عندما نزل المهدي بجيشه الضخم عند شجرة الحضرة لم توقد نارًا في معسكرات الجيش فقد تكفل أهل الفتيحاب بإطعام ذلك. الجيش الذي بلغ تعداده ما يفوق الستين ألف وظل هذا الكرم حتى عبر الجيش النيل الأبيض إلى ضفته الشرقية قاصدا الخرطوم ومقتل غردون. وأشير هنا إلى مسألة مهمة وهي أن مقتل غردون تم على يد أهلنا الفتيحاب لأن المهدي قبل عبور الجيش أمر بالقبض على غردون حيا دون قتله. والمهدي حينما يصدر أمرا لأتباعه لا يقوى أحدهم على مخالفته ولذا الراجح عندي أن أهل الفتيحاب هم الذين بادروا إلى عبور النيل الأبيض ومن ثم بادروا إلى مقتل غردون. وهذه مسألة سوف أستفيض فيها في مقام آخر إن شاء الله بشيئ من التفصيل. وحينما نتحدث عن الفتيحاب لابد أن نذكر شادي الطرب وحاديه البلبل الغريد ذلكم الفنان الضخم عبيد الطيب فقد أشجى وأمتع المتذوق السوداني بأعذب الأغنيات وقد كان أفضل من يردد أغنيات عميد الفن السوداني الأول الحاج محمد أحمد سرور وقد شكل أيضا ثنائية لحنية مع الملحن برعي محمد دفع الله.
وكذلك لابد أن نذكر في مجال الفن أيضا ثنائي الفتيحاب أو أبوسعد عبد الوكيل أبيض وعمنا عبد الحي عبد الرحمن فقد كانا نجوما في سماء الإبداع في الفتيحاب والعاصمة عموما. توفي عمنا عبد الحي وبقي عبد الوكيل أبيض يغني لوحده ولم يتوقف عن الغناء متعه الله بالصحة والعافية
وكذلك لابد أن نعرج إلى رائعة أبو صلاح وأغنيته الشهيرة بدور القلعة وجوهرا والقلعة المعنية هي قلعة الفتيحاب وهي جزء صغير من حي ودنوباوي، وقد سميت بهذا الاسم (قلعة الفتيحاب) لأن سكانها من الفتيحاب فهم أول من سكنها ولكن البعض يطلق عليها قلعة صالح جبريل لسكنه بها ووجود دهليزه الشهير الذي كان يرتاده مثقفي ذلك الزمان.