
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (السوداني.. تطير عيشتو)
مع إسحق
إسحق أحمد فضل الله
(السوداني.. تطير عيشتو)
وقد طارت.
والسودان، كان سعر الجنيه فيه… ثلاثة دولارات…
ولما كنا صغاراً، كان المشهد هو:
في نهاية الشتاء، وعند المغيب، الحمير تزدحم عائدة من البلدات، وكلٌّ منها يتعثر من ثقل قناديل العيش، ونحن جلوس فوق الحمولة.
وندخل البيت الذي هو (الدانقة)، والدانقة هي بيت متسع من الطين، له دفء في الشتاء، وفي وسط الدانقة “الأم”، البنات حول النار المشتعلة، وعلى جانب منها “كفتيرة اللبن”، وعلى الجوانب الكسرة الساخنة، واللحم، و…
بن بيلا في الستينات يتساءل:
لماذا تبيع أمريكا السعودية قمحها بنصف سعره في أمريكا؟
قال: حتى لا تُزرع في السودان.
وفي الستينات، كانت “المعونة”، والمعونة كانت قمحاً مجانياً،
والناس تركوا زراعة الذرة وتحولوا إلى القمح.
عندها، أمريكا تمسك يدها وتقول:
اشتروا…
والقمح الآن يهلك نصف الميزانية.
…
والسودان… تطير عيشته.
السودان له أمر عجيب.
فهو يلقى ما يلقى من الأشقاء، بينما لا تجد أن السودان آذاهم أبداً.
والسودان يلقى الأذى من… إرتريا… إثيوبيا… ليبيا… وحتى… وحتى…
طبيعي…
لكن ما ليس طبيعياً، هو أن السودان لم يتكرم بإيذاء أي دولة في تاريخه كله.
…
والسوداني؟ عبقري.
ولهذا… حكايات.
وعزيز…
وما أمر ود أبوسن منكم ببعيد.
(وأيام الإنجليز، مفتش إنجليزي “برلوم” يهدد الناظر أبو سن.
وأبو سن ينظر إلى شجيرة قريبة منه، ويقول للمفتش:)
“أخاوجة… الشجرة دي فيك.”
(والمفتش – الذي كانت رتبته الصغيرة تمنعه من إيذاء أبو سن – يقطعها في مصارينه، ويذهب…
ويُنقل إلى لندن، ثم يعود وهو يحمل رتبة رفيعة…
والمفتش الموجوع، من المطار، ينطلق حتى يقف أمام الناظر أبو سن، ليقول وهو يشير إلى النجوم على صدره).
“أبو سن… أنا بقيت زول كبير.”
(وأبو سن، دون أن يتحرك، يقول للرجل: )
“أخاوجة… والشجرة كمان كبرت.”
…
وأحسبْ ما شئت من صفات السودانيين، لكنك تجد أن السودان – في التعامل السياسي –
أبله… أبله تماماً.
يا كامل… خلّي الناس تزرع الذرة…
وتتسلح، ولو بـ”نبلة”.
بعدها، ينمو سودانٌ يكسر عيون العالم، أخضرها وأسودها.