خليل أحمد .. ألحان شجية بحناجر ذهبية

خليل أحمد .. ألحان شجية بحناجر ذهبية

بقلم: أمير أحمد حمد

الملحن خليل أحمد عبد العزيز فنان تشبع بالفن، ويعتبر من رواد الأغنية الوترية في السودان. نشأ في حي من أحياء الخرطوم القديمة التي لم يتجاوز عدد أحيائها آنذاك الأربعة عشر حياً، ومعظمها لا يفصل بينها أكثر من شارع واحد. ومن أشهرها حي الطوبجية، والكاره، وسلامة الباشا، وحي هبوب ضرباني، وحي المراسلات، وحي الترس. وكل حي من هذه الأحياء يقطنه عدد من السكان، بعضها سوداني خالص، وبعضها تشكل فيه العنصر الوطني بالعناصر الوافدة إلى الخرطوم من مصريين وأغريق وشوام ويهود وأرمن وغيرهم. وحي الترس المذكور أعلاه هو واحد من الأحياء التي تعج بالعناصر التي وفدت إلى الخرطوم، وهو يقع غرب شارع الحرية الحالي، ويمتد جنوباً إلى ما يسمى اليوم بميدان جاكسون. في هذا الحي نشأ وترعرع الملحن خليل أحمد عبد العزيز، استفاد من العناصر الأجنبية التي تمتلك الأسطوانات وفونوغرافات الغنائية التي كانت تحتوي بداخلها على موسيقى لكبار الموسيقيين في العالم. اختزن في داخله هذه الأنغام، وما كان يدري أنها سوف تجعل منه رجلاً ذواقاً للفن، للدرجة التي جعلته ملحناً يتدفق النغم من دواخله، ويستقر في وجدان المستمع السوداني. بل سطر اسمه في تاريخ الفن السوداني، ودون في سجلات الإذاعة السودانية العريقة كأول ملحن تعترف به الإذاعة، ويأخذ أجراً على ألحانه دون أن يكون مغنياً. حيث درجت العادة أن كل الفنانين كانوا يلحنون أعمالهم بأنفسهم.

عندما كانت الفنانة منى الخير تغني أغاني البنات مع أستاذتها رابحة خوجلي الشهيرة برابحة تم تم في بيوت أفراح أحياء الخرطوم، وفي واحدة من هذه الحفلات استمع إليها خليل أحمد وأعجب بها، وقام بانتشالها من ترديد هذه الأغنيات، وطلب منها أن تأتي إليه في فرقة الخرطوم جنوب. فكانت منى الخير المعروفة بغنائها الذي نسمعه من إذاعة أم درمان اليوم. فكانت واحدة من فلتات الأستاذ خليل أحمد الذي أمدها بجميل الأغنيات، فكانت أغنية “عشان هواك حبيت قمرية فوق الدوح” وأغنية “الحمام الزاجل” وغيرها من الأغنيات الرائعات التي كتبها صديقه الشاعر إسماعيل حسن.

تدفقت أنغام خليل أحمد، فارتوى وتترع من ألحانه عدد لا بأس به من المطربين، منهم الفنان عبد الرحمن ود الشاطي. فكانت جرعته من كأس النغم الخليلي أغنية “الجندول” للشاعر المصري المهندس محمود علي طه، والتي مطلعها “أين من عيني هاتيك المجال يا عروس البحر يا حلم الخيال”. والتي تغنى بها بنفس اللحن الدكتور عبد الكريم الكابلي. كما غنى الفنان التجاني مختار عدداً من ألحانه، وكذلك الفنان صاحب الصوت الشجي الأمين علي سليمان غنى له أيضاً عدداً من الألحان على رأسها أغنية “نجوى”. وكانت تربطهما صداقة حميمة.

عندما فرغ الأستاذ خليل أحمد من تلحين أغنية “الحب والورود” للشاعر إسماعيل حسن المشهورة بـ “يا طير يا طائر”، بدأت الفنانة منى الخير في عمل البروفات لهذه الأغنية. وعندها ظهر الفنان القامة محمد وردي في حياة الملحن خليل أحمد، فاستأذن منى الخير بأن يمنح وردي هذه الأغنية لأنه فنان جديد وليس له أعمال خاصة. على أن يمنحها “الحمام الزاجل”. وقال لها مداعباً: “كلها طيور في طيور”، يعني ما فرقت. فكان لحن “يا طير يا طائر” أول تعامل لخليل مع وردي. وبعدها توقف التعامل بينهما عندما وضع وردي كلمات أغنية “أول غرام” ووضع لها اللحن، وكان متلهفاً لمعرفة رأي أستاذه خليل أحمد في هذا العمل. ولكن كم كانت صدمته عندما سمع رأي أستاذه قائلاً له عن اللحن: “ده كلام فارغ”. وعندها قرر وردي الاعتماد على ألحانه، فكان له ما أراد، مع حفظه لجميل أستاذه خليل أحمد وذكره بالخير في كثير من لقاءاته الفنية.