19 يوليو 1971م .. انقلاب لم يكتمل (2)

19 يوليو 1971م .. انقلاب لم يكتمل (2)

بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ

عند الساعة العاشرة صباحا من يوم 21 يوليو بدأت عوامل الانهيار تظهر لدى الانقلابيين. وكان لعوامل وأسباب ثلاثة، أولها غياب قائد الانقلاب الرائد هاشم العطا عن مسرح المواقع التي يفترض عليه التواجد فيها وهي القصر الجمهوري والقيادة العامة للقوات المسلحة. ثانيا الشعور الخاص للمجموعة التي نفذت الانقلاب وهم ضباط وحدة الحرس الجمهوري ومجموعة من ضباط سلاح المدرعات أنهم معزولون عن بقية القوات والجيش الذي ينتمون إليه. ثالثا اعلان وسائل الاعلام العالمية باعتقال اقطاب الانقلاب بليبيا (بابكر وفاروق)، وزاد توترهم حصول قوة مناوئة لهم على إبر الدبابات وتحركها من سلاح المدرعات بالشجرة الي القصر الجمهوري لاطلاق سراح الرئيس نميري ومن معه من أعضاء مجلس مايو ومعتقلي قصر الضيافة من الضباط الموالين لمايو.

 

+ الكارثة داخل قصر الضيافة

حين بدأت أصوات الرصاص تنتشر في منطقة وسط الخرطوم وبسرعة وقبل وصول المدرعات لقصر الضيافة فتح ثلاثة من الضباط النار على الضباط المعتقلين، فإستشهد على الفور 16 ضابطا من ضباط القوات المسلحة و3 من الجنود وهم: عقيد مصطفى عثمان أورتشي، عقيد سيد أحمد أحمودي، عقيد محمد عثمان كيلة، مقدم سيد المبارك، مقدم عبد العظيم محمد محجوب، رائد عبد الصادق حسين، نقيب سيد أحمد عبد الرحيم، نقيب تاج السر حسن علي، نقيب كمال سلامة، نقيب صلاح خضر، ملازم محمد يعقوب، ملازم محمد صلاح محمد، ملازم الطاهر أحمد التوم، ملازم محمد عمر، ملازم محمد حسن عباس (شقيق خالد حسن عباس)، ملازم محمد الحسن ساتي، رقيب دليل أحمد، عريف عثمان إدريس، وكيل عريف الطيب النور.
ونجا من الموت عددا من الضباط أبرزهم العقيد عثمان محمد أحمد كنب والعقيد سعد بحر.

+ ساعات من العنف بقلب الخرطوم

بصورة دراماتيكية تمكن نميري من الإفلات من التصفية ومعه مجموعة من أعضاء مجلسه، ليبدأ فصلا جديدا من فصول الإنقلاب الدموي. ومن عجب وتساؤل ظل الباحثين عن أحداث هذا اليوم حول الساعات الثلاثة التي أعقبت تصفية الضباط بقصر الضيافة مكان تحليل وتصنيف ومتابعة، بيد أنها ظلت في طي الكتمان حتى هذه اللحظة. فعند الساعة الواحدة والربع ظهرا بدأت أعنف معركة بين رفقاء السلاح ضباط وجنود القوات المسلحة من جانبين مسلحين بأسلحة نوعية تفوقت القوة القادمة من سلاح المدرعات على الانقلابيين، فشهدت منطقة القصر الجمهوري معركة دامية سقط فيها عددا من الجانبين مع بداية معركة أخرى لم تقل عنفا عن معركة القصر الجمهوري كان مسرحها القيادة العامة للقوات المسلحة وتحديدا هنكر المظلات الذي احتمى به الانقلابيين بسلاح فتاك أعلى الهنكر، فدارت معركة حامية كان نتيجتها استشهاد المقدم محمد أحمد الريح بعد أن تم تدمير الهنكر عليه.

+ عودة نميري وسلطته

عند الساعة الرابعة والنصف عصرا وصل نميري وأعضاء مجلس مايو إلى سلاح المدرعات وسط زخات الرصاص من الضباط والجنود إيذانا بعودته التي جعلته ومجموعته لا تعرف منطقا سوى اعدام المشاركين في الانقلاب. وضع الانقلابيين داخل مباني جهاز الامن القومي بالخرطوم شرق، وحين أحس الملازم محمد الحسن العماس المكلف بحراسة ضباط جهاز الأمن القومي داخل مباني الجهاز بالخرطوم شرق بعدم جدوى استمرار الانقلاب ونجاحه سلم الأسلحة لهم وأصبح معتقلا لديهم وهو الذي كان مسؤؤلا عن اعتقالهم وحبسهم طيلة ثلاثة أيام.

+ داخل معسكر الشجرة الفصل الاكثر دموية

عند الساعة الخامسة مساء تم تجميع المقبوض عليهم مع وصول بابكر النور وفاروق حمد الله من المطار مباشرة لمعسكر الشجرة وهم منفذي الانقلاب من الذين سلموا أنفسهم أو تم اعتقالهم وفي مقدمتهم العقيد عثمان حاج حسين أبو شيبة، والعقيد محمد أحمد الهاموش، ومحجوب طلقة، وعبد العظيم عوض سرور وغيرهم. ومن المدنيين تم اعتقال كل من عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي والشفيع أحمد الشيخ رئيس اتحاد نقابات السودان والقيادي بالحزب الشيوعي جوزيف قرنق ومصطفى خوجلي. وتم الحكم بإعدام العسكريين المشاركين في الانقلاب في محاكمات داخل معسكر الشجرة بالرمي بالرصاص والشنق للمدنيين، مع إلقاء القبض على منفذ الإنقلاب هاشم العطا جوار مقابر فاروق في ساعة متأخرة من نفس اليوم.
تم اعدام الضباط هاشم العطا، فاروق حمد الله، بابكر النور، أحمد جبارة المتهم بتنفيذ مجزرة بيت الضيافة، أحمد الحاردلو المتهم بتنفيذ مجزرة بيت الضيافة، عبد المنعم الهاموش، محجوب طلقة، معاوية عبد الحي. فيما تراوحت بقية الأحكام العسكرية للمحاكم ما بين السجن المؤبد والسجن لأعوام متفاوتة للعسكريين والمدنيين مع اعتقال عدد كبير من الشيوعيين بمختلف معتقلات البلاد.

 

+ عنف دموي

 

ويبقى انقلاب 19 يوليو 1971 حادثة عنوانها العنف الدموي لأجل السلطة في دورة عنف سودانية الصنع والتخطيط.