
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (السوداني دا)
مع إسحق
إسحق أحمد فضل الله
(السوداني دا)
كنا في دمشق، واليمن يومها يمنان متعاركان.
(متعاركان إلى درجة أن الشيوعي الصيني والشيوعي السوفيتي يعلنان الانتخابات،
وفي فجر يوم الانتخاب يدخل الرفاق من هنا على الرفاق من الحزب الشيوعي الآخر، ويذبحونهم في فراشهم، ثم يفتحون أبواب مراكز الانتخاب، حتى يمارس المواطنون حريتهم كاملة).
وفي سوريا كان هناك مؤتمر للعالم العربي،
وفيه من اليمن وفدان اثنان: وفد من اليمن الجنوبي ووفد من اليمن الشمالي،
وكانوا يقتتلون بعنف.
وفرد من اليمن الجنوبي يسقط مريضًا… ووفد اليمن الجنوبي كان قد فقد شرعيته بعد انفصال اليمن الجنوبي،
وسوريا مستشفياتها لا تستقبل أجنبيًا إلا بخطاب من سفارته،
والجنوبي لا سفارة له.
وطبع السوداني يبرز،
وفي يوم، كانت السفارة السودانية تستخرج جوازات سفر وهويات سودانية لأعضاء وفد اليمن الجنوبي بصفتهم سودانيين،
بعد أن أنكرهم مواطنوهم من اليمن الشمالي… ونثريات و…
والمريض نحمله نحن إلى المستشفى بخطاب من سفارتنا،
والجراحة تنجح، ونقف نحن السودانيين على باب غرفة المريض نستقبل أعضاء الوفود الأخرى الذين يزورون المريض…
السوداني يعتبر كل عربي أخًا له،
ومن يتحدثون عن الانفصال هم نوع من المرتزقة،
حتى لو كانوا مشلخين وطولهم ست أقدام وخمسة بوصات وعيونهم عسلية ومولودين في بحري حي الشلالية أو حمد وخوجلي أو في مدني شارع القبة.
(2)
العالم، كل جهة فيه تشبه كل جهة.
وفي السويد، كانوا – إلى وقت قريب – إذا مَلَّ (بتشديد اللام) الشيخ عندهم الحياة، يقرر أن يذهب إلى (النهر الأصفر)،
والنهر الأصفر هو الغابة التي يغطيها الجليد… والأسرة تحمله إلى هناك، ومعه أعواد جافة وكبريت،
وهناك يشعلون النار ويتركونه عندها ويذهبون.
وقبل أن يختفي آخر الذاهبين، تطل (ثقوب) لامعة من حائط الظلام…
عيون الذئاب…
وتبدأ أغرب الساعات.
الذئاب تنتظر خمود النار لتهجم على العجوز… والعجوز يشعل عودًا بعد عود، لإبعاد الذئاب… لكن…
وفي جنوب السودان، حين يسأم العجوز من طول الحياة، يقرر أن يذهب…
واستعداد، مثل الإعداد للعرس، ينطلق في البيت،
وفي اليوم المعين، يأتي الأصدقاء والأهل إلى البيت… وحفل هائج ينطلق…
ثم… في نهاية الحفل، العجوز الذي ظل جالسًا، ينهض…
عندها يخرس كل صوت ويتجمد كل أحد.
وبهدوء، العجوز يتجه إلى قبر محفور في حوش البيت… ويرقد،
والجميع، في لحظة واحدة، ينطلقون إلى القبر… ويدفنون العجوز حيًا.
والتشابه حول العالم يذهب إلى شيء آخر.
وفي روسيا، في قرون قريبة – يحكي أب أصلان – أنه عند موت الزوج، فإن الزوجة يُحبسونها في خيمة،
وأصدقاء الزوج يدخلون عليها واحدًا واحدًا… كلهم يواقعها، ثم يقول لها:
“أبلغي فلانًا أننا نحبه.”
بعدها، تدخل خمس نساء على الزوجة، أربع منهن يمسكن بها، والخامسة تخنقها حتى الموت…
في دول عربية وغير عربية، يجري شيء مشابه… يختلف هنا وهناك…
نقرأ عن المجتمعات شرقًا وغربًا، ونجد أن العالم كله يتشابه،
ونحن من العالم، لكننا نجد شيئًا غريبًا…
نجد أننا من العالم، لكننا عند القبيح نتفرّد، ولا نشبه العالم.
كيف؟ ولماذا؟
أشياء لا داعي لها، لكننا متفرّدون.
والنماذج هذه عمرها بالطبع قرون،
لكن قدمها يصبح شهادة أن الأمر الذي نصفه، و”طبع السوداني”، هو طبع قديم…