الكتابة في زمان اللا كتابة

ولألوان كلمة
الكتابة في زمان الا كتابة
(مدخل)
الخرطوم احتفت بعبد الناصر مثلما احتفت بقتيله سيد قطب.. واحتفت بالعقاد ومن قبله بأعدائه من الساسة أهل المعسكر الحر المستعبد. الخرطوم احتفت بنيكسون والمعونة الأمريكية مثلما احتفت مالكلوم اكس، الداعية، وكل ضحايا المكارثية من اليسار الأمريكي، الخرطوم احتفت بجميلة واخوات جميلة وابن بيلا وعباس مدني وكل شيوخ الجهاد الجزائري وكل الانقاض والاضداد والنقائض مثلما احتفت الخرطوم بفرنسا ديجول.. والديمقراطية الاوربية والوجوديين القدامى والجدد  سارتر وهايدجر بوفوار وسيمون ديبفوار. الخرطوم احتفت بزكي الارسوزي وميشيل عفلق ناقدة مثلما احتفت بصدام محبة وناقدة ومتوجعة وكسيرة وغاضبة. الخرطوم التي أحتفت بمريم المجدلية ومريم ماكيبا ومريم فخر الدين.
الخرطوم التي يرقد في قلبها باطمئنان علي بن أبي طالب بجوار معاوية بن أبي سفيان بلا أي اضطرابات أو اضرابات أو حتى فتنة كبرى أو صغرى. لا تقبل أبداً تبديلاً للأثر، قوي أو ضعيف, ان (اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم).

<span;><span;>* الخرطوم ودعت بالأمس البعيد عرفات بالأحضان مثلما ودعت بالأمس القريب هنية بالأدمع.

<span;><span;>* انها الخرطوم التي تعجز عن الذي تجعله فوق الآخر تهافت الفلاسفة أم تهافت التهافت. ولا تعرف من تقدم للامامة الكبرى أو الصغري، الغزالي أم ابن رشد..

كل شيء مقبول ومبرر، انه النظر الصوفي الخطير الذي يوالي الجميع اذا التقوا بالحد الأدنى.. ولذلك فانها أبداً حزينة وفقيرة وجالسة على طريق المقبرة واكف المغفرة.
عزيزتي الخرطوم متى تجيدين فن ادخار مؤونة العام فقد فجعتنا جدلية (رزق اليوم باليوم) في السياسة والاقتصاد والاجتماع ولن ننصح عاصمة ولدت على جفن الردى وهو نائم لاننا انفسنا لا نجيد فن الانتصاح أو الانتفاع به.
هي ذات الخرطوم التي تغني بلسان وتصلي بلسان، هي ذات الخرطوم التي تنشد للمتنبي وتحتفي بالسياب، هي ذات الخرطوم التي تنتشي مع الكابلي وتراقص رمضان زايد، هي ذات الخرطوم التي لم يكتب في تاريخها البعيد والقريب أن مسلماً صفع نصرانياً، هي ذات الخرطوم التي جعلت من الاعتداد والاعتدال عقيدة، هي ذات الخرطوم التي اعتبرت ألوان البشر البيض والسمر والسود والخضر (الوان حديقة) وهي التي أنشدت للوسطية أصل الجمال أدو الخُضرُ، أو بمعيار العبادي:
انزل يا سرور وشوف يد القدره
وشوف حسن البداوة الما لمس بدره
وراد النهر خلوني ما بدرا
كاتلني الصفار ام نضرة الخدره
هي ذات الخرطوم العاصمة التي جعل منها أبو صلاح وأبو داود وأبو علي وأبو البشر وأبو المكارم وأبو عزة وأبو مسرة وأبو عديلة وأبو اليسر وأبو السيد و (أبو الزفت) مسكناً ومقرا فهل أدركتم بعد كل هذا الشجن والبوح لماذا دمردتها وأحرقتها عصابة دقلو؟ .

مدخل ثان
أجد نفسي مسكوناً بفن الاجابة حتى وان كانت فارقة أو مفارقة أو حتى إن كانت (فارغة) مجرد الاجابة في لحظات المباغتة تؤكد أن العقل المحاصر قادر على التنبه المعافى وصناعة الدهشة ولو بعد حين،  ومن استدراكات الراحل محمود محمد طه المباغتة وهو يبتسم في وجه المحاورين والصحافيين في أحدي الندوات (لا مشكلة من الاسئلة اللاذعة ما دمت أنا الذي يجيب في الآخر ولذلك فإن الاجابة وهي التالية أبداً أفضل من ابتدار السؤال وصدره وتصدره).
ولذلك مما احفظه وأحترمه للأخ الصديق الراحل عوض الكريم موسى واقدر فيها سودانيته وصوفيته المصادرة للجدل بحق التسليم، رغم دمائه الهندية والافغانية التي أبت أن تجتثها حرارة الشموس بأم درمان ونسب السادة الركابية برفاعة فقد قرأت عليه حملة كتاب العواصم العربية على محمود واتهامه بالكفر الصراح قال لي وهو يتململ.. انت صاحب قرطاس وقلم يا حسين وقادر على الردود الموجبة والموجعة ولكن أن تذكرتني ما بين همس القرطاس والقلم فاكتب على لساني يا هؤلاء..
ان مثل محمود محمد طه هو كافر السودانيين فمن هو كافركم انتم؟
ولست انسى أبداً أنني غطيت محاكمة محمود وانتظرت حتى اصدار الحكم وكلمته المجلجلة المخيفة (إنني لن اتعاون مع هذه المحكمة لانها غير مؤهلة لا فنياً ولا أخلاقياً) ثم جلس وصمت والابانة والفصاحة في ساعات بداية النهاية لا يجيدها إلا أهل الجزيرة ورفاعة وفي هذا باب كبير..
وقد قلت يوماً للمشاهدين عن رحيل الرجل مهما كان رأيكم فيه ورأينا فيه وفي أفكاره المخالفة، إلا أنه ذهب صوب المقصلة بشجاعة أنتصر لفكرته رغم إختلافنا بكل تلك الجسارة التي لا يدركها إلا أهل الراي والفكر والإجتهاد ومادام هناك أخرة ويوم عظيم فعلى المفترق مابين الجنة والنار تلتقي الخطي وتتقاطع النظرات، وما دامت هذه الأيام أيام 25 مايو و19 يوليو و22 يوليو يوم العودة بكل دمائها وجراحها ومقاصلها فأني لا أنسي للأخوة الجمهورين وقفتهم الا عقلانية والا وطنية والا أخلاقية وهم يؤيدون نميري منذ تفجير إنقلابه إلى يوم أن حاكمهم بالإعدام واني لأشهد على شماتتهم الموثقة بالكتب المنشورة وهم يرقصون على دماء الأنصار في أبا وود نوباوي واعتقال القوي الوطنية وشعبان والمصالحة الوطنية والتحدي العسكري للإستبداد في 76 وحركة حسن حسين الباسلة وحينما أحاط بهم نميري وأوقعهم في السجن والمعتقلات والمقصلة قال الشعب السوداني كله شامتاً “ومن يصنع المعروف في غير أهله يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر” وقصة أم عامر (الضبعة) التي أجراها العربي الشهم تكرماً وحمي عنها الأعداء فلما نام بقرت بطنه وقتلته. أن ولاء الجمهوريين للأستبداد والطغاة داء قديم فهل عرفتم الأن لماذا وضع النور حمد يده الأثمة في يد عبد الرحيم دقلو مبايعاً مسقطاً عن قلبه وعقله وخاطره كل قيم النخوة والرجولة والحياء الوطني والموازرة ليس للسودان وكلن لأهلة وقريته وقبيلته إنها الدرجة القصوى من الهوان (مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ * ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ).
مجرد سؤال
علمنا أن هنالك مشاورات مع شركة صينية متعددة الأغراض والأسهم لإعادة بناء القصر الجمهوري أو ترميمه وتقوم أخرى بذات المواصفات ببناء دار الحزب الحاكم القادم وبعض المقار الحساسة الأخرى في سودان المستقبل، (وأنا نصف متأكد بأنه ليس هنالك أي تحديق خفي وأيضاً أجد نفسي اتساءل وبمنتهى البراءة ترى لماذا لم تبني الصين لهذا الشعب جامعة للتكنلوجيا والتصنيع والتنمية المعاصرة ولن تفعل فأن كان ذلك كذالك فأرجو أن تراسلوها لأعادة صيانة قاعة الصداقة بعد الحريق الكبير كما يقول أهلنا الطيبون (المال تلتو ولا كتلتو).