تدشين برنامج عودة 500 ألف سوداني من السعودية

تحت شعار: (راجعين أكيد، شايلين الحلم الجديد):

تدشين برنامج عودة 500 ألف سوداني من السعودية

كتب: عبد اللطيف السيدح: تصوير عصام يوسف

ثلاثة أعوام في الحضن الحنون
في مشهدٍ إنساني لا يُنسى، وقفت خلاله المملكة العربية السعودية قيادةً وشعبًا إلى جانب الشعب السوداني في واحدة من أقسى المحن التي عصفت ببلاده، حين أقدمت مليشيا آل دقلو الإرهابية على شنّ حربٍ همجية مزّقت الخرطوم وأحرقت مدن دارفور وهجّرت الملايين. فكان أن فتحت السعودية ذراعيها لأفواج اللاجئين والنازحين الذين توافدوا إليها في ظروف عصيبة، فآوت، وأطعمت، وأكرمت، ويسّرت.
كيف تحوّلت العمرة إلى استضافة
دخل عشرات الآلاف من السودانيين إلى المملكة قبيل الحرب بتأشيرات عمرة، وكان من المفترض أن يعودوا بعد أداء الشعائر، لكن اندلاع الحرب حال دون ذلك. ولأن المملكة لا تُضام فيها النفوس، تم اتخاذ إجراءات استثنائية بتحويل تأشيرات العمرة إلى تأشيرات استضافة، شملت التمديد النظامي والتسوية القانونية، فأضحى السوداني في بلاد الحرمين مقيمًا مكرمًا لا مطاردًا ولا ملاحقًا.
أكثر من نصف مليون سوداني بالمنطقة الغربية. تشير التقديرات إلى أن عدد السودانيين العالقين في المنطقة الغربية وحدها من المملكة يتجاوز نصف مليون نسمة، بين أسر كاملة، وأفراد، ومرضى، وكبار سن، وطلاب، وعمال. هذا العدد الكبير شكّل عبئًا نفسيًا واقتصاديًا على بعضهم، لكنه لم يُثقل كاهل السعوديين الذين ظلوا يبادلونهم الكرم بالكرم، والوفاء بالوفاء.

 

+ “قيدومة” لعرس وطني أكبر

في أول بادرة عملية لتنظيم العودة الطوعية، إلتأم أمسية السبت شمل عدد من المهتمين في لقاء تنويري أولي تقدمه سعادة قنصل عام جمهورية السودان بجدة الدكتور كمال علي عثمان طه وجمع إلى جانبه ممثلين عن الجالية السودانية، وممثلي الهيئات التطوعية ، إضافة للإعلاميين مشاهير الميديا والمجتمع. وقد وُصف اللقاء بـ”القيدومة” المباركة، التي تمهد للقاءٍ أكبر سيُعقد في منتصف الشهر القادم، لوضع الترتيبات النهائية لانطلاق قوافل العودة.

+ طائرات وبواخر تحمل أبناء السودان

بحلول منتصف الشهر القادم وحسب إفادة سعادة القنصل العام، ستبدأ أولى رحلات العودة الطوعية من مختلف مدن المملكة، وخصوصًا من جدة ومكة والطائف، حيث تقيم الكتلة الكبرى من العالقين. وستنطلق الرحلات عبر الخطوط الجوية والبحرية، من ميناء جدة الإسلامي، ومطار الملك عبد العزيز الدولي، إلى ميناء بورتسودان ومطارات أخرى في السودان.

+ التنظيم الشعبي والدعم المؤسسي

تشترك في تنفيذ هذا البرنامج أطراف عديدة، لجان تطوعية من الجالية السودانية تنسق وتُحصي وتوجه. الجهات السعودية الرسمية التي تقدم التسهيلات النظامية. المنظمات التي تعنى بشؤون اللاجئين. متطوعون سودانيون يرسمون لوحة من التكافل والهمة العالية. الآلية المعتمدة ترتكز على التسجيل الطوعي، وتحديد فئات الأولوية (المرضى، النساء، الأسر، الطلاب)، ثم ترتيب رحلات متتابعة وفق الطاقة الاستيعابية.

+ قصص إنسانية من قلب المحنة

ومع بدء عمليات العودة ستتكشف للناس من بين طيات البرنامج حكايات إنسانية مؤثرة، أم سودانية فقدت زوجها في الحرب، وعاشت مع أطفالها في مكة، وتستعد للعودة إلى أرضها بعد أن شعرت بالأمان والاستقرار، شاب كان يعمل في إحدى شركات الخرطوم قُبيل الحرب، لجأ إلى المملكة حيث وجد في أهلها من يُطعمه ويُعيله، طالب طب اضطر لقطع دراسته، لكنه يتطلع لاستئنافها بمجرد عودته إلى وطنه.

+ مواقف سعودية تاريخية لا تُنسى

تأتي هذه العودة الطوعية تتويجًا لموقف تاريخي أصيل اتخذته المملكة منذ الساعات الأولى للأزمة: فتح المنافذ البحرية والجوية أمام السودانيين. تقديم الرعاية الطبية والاجتماعية للوافدين
تأمين السكن والإعاشة في بعض الحالات. منح التأشيرات الاستثنائية.

+ دور كبير للقنصلية في التيسير والمتابعة

رغم ضعف الإمكانات، تبذل القنصلية السودانية بجدة جهدًا مقدرًا في متابعة هذا الملف، وقد تم إنشاء غرف طوارئ للعودة الطوعية، وتخصيص فرق عمل للتنسيق مع الجهات السعودية.
حشدٌ إعلامي وطني لا مثيل له تحت شعار “راجعين أكيد .. شايلين الحلم الجديد” وبرعاية كريمة من مجموعة حيدر القابضة حشد مركز الحاكم للخدمات الصحفية والإعلامية لأول لقاء إعلامي بجدة عددا مقدرا من الصحفيين السودانيين لتغطية ومتابعة هذا العمل الوطني الكبير بتنسيق وترتيب محكم من الإعلامي الغيور تاج السر محمد حامد الأمين العام لرابطة الإعلاميين بجدة، واتفق الجميع على إطلاق حملات توعية وتسجيل على الوسائط الاجتماعية، ونشر قوائم الراغبين في العودة، وبداية بث روح الأمل في صدور من ظن أن الرجوع إلى السودان صار بعيدًا.

+ أحلام معطلة

تواجه العودة الطوعية تحديات جسيمة، أهمها
محدودية الموارد المالية لنقل هذا العدد الكبير. ضعف البنية التحتية في السودان لاستيعاب العائدين.
الحاجة إلى خطط استقرار وإعادة إدماج اجتماعي واقتصادي. لكن العزيمة لا تلين، والإيمان بقدرة السودانيين على النهوض بعد العثرة كبير.

+ بداية الطريق نحو الوطن

برنامج العودة الطوعية ليس نهاية المطاف، بل هو بداية الطريق نحو استعادة الوطن المختطف. هو عودة جسد إلى جسد، وحنين إلى تراب. هو استجابة كريمة لنداء الأرض، ورسالة شكر عميقة إلى المملكة العربية السعودية التي كانت وما زالت ملاذًا آمنًا لأبناء السودان.