الكلمات المتقاطعة

ولألوان كلمة
حسين خوجلي
الكلمات المتقاطعة
(1)
الزعماء العرب القدامي والجدد إلا من عصم الله يقولون في سرهم وجهرهم (ألا كل شيء ما خلا أمريكا باطل) زعم تصدقه الأقوال والأفعال وهم يعلمون أن المصطفى صلى الله عليه وسلم صعد يوماً المنبر وقال: إن أشعر كلمة قالتها (العرب).. (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) ولكن يا سيدي يا رسول الله هل تراهم يقرأون دعك من يتدبرون.
في قريتنا مزارع يجيد الكسب والربح وله سمت وجمال وبهاء، وله منزلة في الفقه والأدب وله قبول عند الناس وقد اختار الأذان مهنة بلا أجر وموهبة، وبعد الأذان كان يقول للناس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) فاحرصوا على الميكرفونات لزيادة أجور العامة أما صلاة الجماعة فلها رب يحميها.
من الحكايات الحصيفة الحزينة.. التي تحدث في هذا الزمان البخيل.. والذي لن يطفئ غلواء نيرانه إلا الإنتاج والتدريب والصدقات، وقد أصر خالنا الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الأديب الحبيب لقلوب تلاميذه وأهله، أصر على أن نحفظها ونحن بالمدارس الوسطى.. ومازالت تجمل كراساتنا القديمة.
إن امرأة شلاء (مشلولة) دخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت كان ابي يحب الصدقة وأمي تبغضها ولم تتصدق في عمرها إلا بقطعة شحم وخلقة (هدمة).. فرأيت في المنام كأن القيامة قد قامت وكانت أمي قد غطت عورتها بالخرقة.. وفي يدها الشحمة تلحسها من العطش.. فذهبت الى أبي وهو على حوض يسقي الناس.. فطلبت منه قدحاً من ماء فسقيت أمي.. فنوديت من فوقي ألا من سقاها فشل الله يدها.. فانتبهت كما ترين.
كان زميلنا عمر كرار يقول القصة فيها مغزى ودلالات عظيمة.. ولكن ألم تنتبهوا الى هذه الأسرة كيف أصابها الشتات يوم القيامة وكانت في الدنيا أسرة واحدة؟ ألم تنتبهوا؟ومن الحكايات التي يتداولها أهل التصوف في الرفق ومعاملة الخلق على قدر سعتهم وعقولهم ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه.. قال كان رجل يتعبد في صومعة فأمطرت السماء وأعشبت الأرض فرأى حماره يرعى في ذلك العشب فقال: يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري هذا .. فبلغ ذلك بعض الأنبياء عليهم السلام فهم أن يدعو عليه فأوحى الله إليه.. لا تدع عليه فإني اجازي العباد على قدر عقولهم، وكانت مجموعتنا تضحك حين يعلق ظريفها على الحكاية قائلاً (حظ صاحبنا فلان الحمار وصاحب الحمار) ا!!!
(2)
الزراعيون في بلادنا يعملون أساتذة جغرافيا, وأهل الجغرافيا لا يزورون جغرافية بلادهم.. من هو هذا العبقري الذي لم يقل إننا مليون ميل مربع.
بمناسبة الجغرافيا فإن الدكتور عبد الله زكريا عليه الرحمة عندما امتحن للجامعة كانت شهادته تاهله لدخول كل الكليات من الطب مروراً بالهندسة حتى القانون، لكنه اختار الجغرافيا وحضر فيها رسالة الدكتوراة بلندن، وله مرجع مهم بعنوان (الجغرافيا العسكرية) والآن يدرس بعدد من الكليات العسكرية المحترمة ماعدا السودان.
في آخر محاضراته قال إن آخر المجلات والنشرات الجغرافية الامريكية المتخصصة التي تصله لم تكن بها هذه المرة خريطة السودان.. ورغم أن أحد السياديين سأله تري أين ذهب السودان في خرائط الروم؟! فلم يجبه.
أما انا فقد ظللت أتساءل سراً (أين هم الحبائب الذين في يوم ما لفتوا الخلائق وبيني بينهم قطعوا العلائق كان دلال كان تيه كلو لايق نحن ماملينا الخصام)؟!
دعك يا أيها الرجل الأخضر من الأرض.. ولكن أجبنا أين ذهب الناس (الخلائق)؟ أما هذه المرة وانت في غيابك الطويل ليس لك طريق للالتفات أو تجاهل الإجابة؟!!
بصراحة نحن ملينا الخصام .
(3)
أكبر مأزق ستواجهه القوات الدولية في دارفور إن أرادت العودة رغبة أو رهبة قصة (المسارات والحواكير والسلاح المجاني) والمثل الأن عند الأطفال في تلك الأرض المحروقة (العندو كلاش يعيش ببلاش).. خاصة أن المجموعات النووية من الرعاة والزراع لن يرضوا أن تحتل الأمم المتحدة شبراً (على رمل الطريق).
وتواصل الحكامة المعاصرة التي هذبتها الوسطية:
على رمل الطريق من بيتكم
جابنا الشوق بسكتكم
وصحي (الانفلات) فينا
مرور الغيم بحارتكم
جاء الخريف هذه المرة لدارفور وقد غطي برزازه الوجوه المكدودة من اللاجئين والنازحين والجائعين والخائفين والأرامل واليتامي والمقهورين وكان بالأمس يسمح الأرض بالفول والبطيخ ونعماء الدخن وتوالد الأنعام لكن عصابة دقلو أصرت أن تبيد كل هذا الخيال والجمال لأن نفوسهم وداوخلهم صحاري (والذي نفسه بغير جمال لا يري في الوجود شيئاً جميلا).
(4)
والعهدة على الراوي.. أن نميري عين أحد أبناء السودان سفيراً متجولاً، فحمل ورقته وذهب لدكتور بهاء الدين وسأله مستنكراً التعيين ومهمته، فقال له بهاء الدين وهو يبتسم ابتسامته تلك المحسوبة بالنسبة أياها..!! (هذا القصر يا صديقي أكثر من سبعة فدان قم وتجول فيه). تمهيداً لممارسة الوظيفة في الفضاء العام.
لقد تدهور السودان يا بهاء وأظلنا زمان سفراء حظر التجول والفصل قبل التعيين.
(5)
البوليس أتى برجل وامرأة الى المحكمة الشعبية، وقال لرئيسها شيخ العرب لقد وجدتهما داخل منزل في وضع مخل بالآداب والأخلاق.
سأله شيخ العرب: وهل كان هنالك نزاع بينهما أو خلاف.. قال: لا يا مولانا.
فرد عليه شيخ العرب: دعهما يذهبان فنحن هنا لفض الاشتباك ما بين المتنازعين والمختلفين.. أمثال هؤلاء دعهم لربهم.
ضرب البوليس تعظيم سلام وقال في استغراب (والله برضو منطق).
فرد عليه شيخ العرب ده مش منطق يا جنابو.. دا فقه.
ضحكنا وقال ظريف المجلس ليس مهماً أن تلبس العلمانية (كرافتة)..!! وأكملها شيخ العرب بابتسامة قائلاً بس انت يا الأفندي ساعدنا بالترابيس.. (والمعني واضح).
(6)
لقد قلت يوماً إن أسعد الناس من يتزوج بابنة معلم.. وأسعد النساء من تتزوج بابن معلم إنهم كوكبة من الناس تحيل البساطة الى جمال والدخل المحدود الى ثروة.. والأعين الى أنهر والعقول الى مشاريع. ولي أمثلة على ذلك تسد الأفق، ولكن البشري عن المعلمين والمعلمات في زماننا فكيف هم المعلمون والمعلمات في أزمنة النكبة والرحيل المرة .
(7)
وأخيراً هاكم هذه الهدية:
قال الشاهد: دخل الخليفة هشام بن عبد الملك الكعبة، فوجد سالم بن عبد الله بن عمر فقال (يا سالم هل لك حاجة اقضها لك)؟
فقال سالم (إني استحي من الله أن أسأل غيره في بيته) فلما خرج تبعه هشام وقال له (الآن وقد خرجنا فسلني حاجتك)، فقال سالم؟ (من حوائج الدنيا أم الآخرة؟) فقال هشام (بل من حوائج الدنيا) فقال سالم: (ما سالت من يملكها، فكيف أسأل من لا يملكها)؟ وقد سمعها يوماً أحد الغبش في جامع أم درمان الكبير فصاح هاتفاً وباكياً (بتشبهو دا ما ود الفاروق).