انقلاب 19 يوليو .. الأيادي الخارجية

انقلاب 19 يوليو .. الأيادي الخارجية
بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ
مخطئ من ظن أن انقلاب 19 يوليو 1971 لم تكن فيه أيادي تواجدت فيه قبل وأثناء وبعد تنفيذه وفشله والاطاحة به. خمس دول كانت ذات تواجد واضح جعل الانقلاب تتناوشه أيادي المؤيدين والمعارضين له.
مصر: قبل تنفيذ الانقلاب، كانت مصر تراقب تفاصيل تحرك الرائد هاشم العطا والعقيد عثمان حاج حسين أبو شيبة. كما كانت تراقب بحذر الاستعجال الواضح في محاكمات المقبوض عليهم والتخلص من القيادات الشيوعية التي كان رأيها يتفق مع الحزب الشيوعي المصري معارضة لخطوات السادات التي تخلص فيها من إرث مصر الناصري الاشتراكي وإبعاد العناصر اليسارية من الحكم والإدارة.
ليبيا: كانت أكثر الدول الخمس التي أدخلت أياديها بصورة العلن بإرغامها طائرة الخطوط البريطانية التي تقل بابكر النور وفاروق حمد الله، وهما من أقطاب الانقلاب، على الهبوط بمطار طرابلس وإرسالهما رهن الاعتقال لنميري.
بريطانيا: عن طريق أحد قيادات الحزب الشيوعي السوداني، تمكنت المخابرات البريطانية عن طريق أحد ضباط القسم القنصلي من معرفة توقيت الانقلاب. وهو ما وضح صباح يوم الانقلاب حين ذهب مواطنون سودانيون للسفارة البريطانية لقضاء خدمات تخصهم، فكانت المفاجأة بإغلاق التعامل مؤقتاً وإغلاق السفارة لاجل غير معلوم، مع علمها بكل تفاصيل الانقلاب أولاً بأول.
العراق: في صبيحة يوم 21 يوليو، تحركت طائرة خاصة من مطار بغداد تحمل عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي محمد سليمان الخليفة، وبحوزته دعما ماليا مقدرا رجحت مصادر علمية أنه يناهز الخمسة ملايين دولار دعما للسلطة الانقلابية الجديدة. وتم تفجير الطائرة بمن فيها ليستشهد محمد سليمان الخليفة وتذهب الملايين إلى محرقة لم يستطع أحد كشف نقابها.
الاتحاد السوفيتي: يقول أحد معاصري الانقلاب من العسكريين إن الاتحاد السوفيتي، وبعد اعتقال فاروق حمد الله وبابكر النور بطرابلس، كان يمكنه التدخل عسكرياً لإنقاذ الانقلاب، وهي حسابات سياسية لم تكن لها دراية لأي جهة سوى السفارة السوفيتية وحدها، مع ذكر المعاصر العسكري لجولات القسم القنصلي للسفارة داخل الخرطوم طيلة أيام الانقلاب لاستجلاء الموقف.
أمريكا: ظلت وثائق الانقلاب لدى الحكومة الأمريكية، وهو ما يفسر ظهور الفيلم الوثائقي بعد خمسين عاماً من الانقلاب، وهو الفيلم الذي لم يعلم حتى الآن كيفية تصويره بتلك الدقة ونظافة الصورة التلفزيونية.
عند مغيب يوم 21 يوليو 1971، نظم أهل مايو أنفسهم لأكبر حملة انتقام دموية من الحزب الشيوعي وضباط الانقلاب. وكان أول الذين تم إعدامهم هم الضباط الذين قاموا بتصفية الضباط العزل من المعتقلين ببيت الضيافة، وهم أحمد جبارة والحاردلو، مع نجاة الملازم عبد العظيم عوض سرور من الإعدام.
عملية استجواب بابكر النور وفاروق حمد الله لم تأخذ كثيراً، إذ تم الحكم عليهما بالإعدام، مع تكرار محاكمة بابكر النور ثلاث مرات لعدم اقتناع نميري بالاحكام العسكرية للمحكمتين التي أشرف على إحداها العقيد تاج السر المقبول الذي رفض الحكم عليه بالإعدام، ليتم تكليف المقدم صلاح عبد العال مبروك الذي لم يتردد في الحكم عليه بالإعدام، ليتم التنفيذ فيه.
تم صدور حكم الإعدام على المدنيين الثلاثة من قادة الحزب الشيوعي، وهم عبد الخالق محجوب السكرتير العام للحزب الشيوعي، الشفيع أحمد الشيخ رئيس اتحاد العمال السوداني، جوزيف قرنق عضوا اللجنة المركزية للحزب الشيوعي.
كان من ضمن المقبوض عليهم من قادة الانقلاب د. مصطفى خوجلي، الذي حكمت عليه المحكمة بالإعدام. وحين أتى خالد حسن عباس، الذي يمت إليه بصلة مصاهرة، وجد أنه محكوماً بالإعدام، وهو أخ زوجة الشهيد سيد المبارك الذي استشهد في قصر الضيافة. فتم تغيير الحكم من الإعدام إلى السجن عشرين عاماً، وذلك حتى لا تفقد أسرة واحدة الأخ والزوج.
كانت عبارة الطرد من الخدمة والإعدام متكررة لكل العسكريين من قادة الانقلاب، وفي مقدمتهم محجوب طلقة وعثمان حاج حسين أبو شيبة وعبد المنعم الهاموش ومحمد أحمد الزين.
ووجه جهاز الأمن القومي وحداته بكل السودان بالقبض على كل الشيوعيين، فكان أن قدر عددهم بحوالي 740 كادراً.
بانتهاء أزمة يوليو 1971، أسدل الستار على العلاقة مع الاتحاد السوفيتي، وبدأ تقارب نميري مع الغرب، وتحديداً أمريكا.