متولي عيد .. أحد عباقرة الفنون الإذاعية

متولي عيد .. أحد عباقرة الفنون الإذاعية

بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ

كثيرون من الراحلين مرت سيرتهم مروراً عابراً على الذاكرة الوطنية دون الالتفات لإنجاز وإعجاز ما قدموه. إعلامياً، ظل السودان إحدى دول الريادة في تطوير وسائله، وتحديداً الإذاعة التي ارتبطت نشأتها بسعي المستعمر البريطاني لإيجاد منفذ إخباري كدعاية في حربه ضد قوات دول المحور أثناء الحرب الكونية الثانية.
لم تأت ريادة السودان للعمل الإذاعي في المحيطين العربي والأفريقي من فراغ، فكانت عبقرية الأوائل من الإذاعيين السبب في هذه الريادة. أحد عباقرة الفنون الإذاعية في السودان هو الأستاذ متولي عيد، المولود في العام 1913م، والذي تخطى عقبة الدراسة الأولية والوسطى بنجاح باهر. التحق بكلية غردون التذكارية في قسم الحقوق، وهي الكلية التي لم يتسن له مواصلة الدراسة فيها، فالتحق بالعمل في القسم الكتابي، فكان أحد المبرزين في العمل العمومي بمكاتب الدولة.
اختير للعمل بالإذاعة كمدير لها في زمان كان المستعمر ولا يزال جاثماً على الصدور، فجعل منها منارة من منارات الوعي والإدراك الوطني. عمل أولاً على تطوير برامجها وحث المفكرين والمثقفين على ارتياد العمل فيها، فظهرت برامج جديدة خلال زمن البث المحدود آنذاك.
انتبه متولي عيد لدور الصحافة التثقيفي، فكان أن جعل أخبار الصحافة من ضمن برامج البث الإذاعي. ابتعث لبريطانيا للقسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، فكان في طليعة المبدعين الذين نالوا الإشادة من مسؤوليها، فكانت فترته فيها بمثابة الفتح الأكبر في عالم الفنون الإذاعية التي حين عودته قام بتطبيقها على إذاعة أم درمان.
حين بقائه بانجلترا كمتدرب، كانت الإذاعة البريطانية تعطي المتدربين فرصة ترجمة وقراءة الأخبار كجزء أصيل من التدريب، فأدهش أصحاب القرار الإداري والفني بها لقدراته غير المسبوقة في الترجمة والقراءة السليمة للأخبار والتعليقات السياسية.
شهدت الإذاعة في عهد توليه إدارتها نجاحات عديدة، وهي زيادة فترة البث وتجويد الأداء وملاحقته للإذاعيين بضرورة القراءة والاطلاع. تولى إدارة الإذاعة في فترتين، فهو ثاني مدير لها وسابع مدير كذلك.
أشرف بنفسه على أداء الفنانين، فكانت ملاحظاته على النطق للكلمات ونوعية القصائد الغنائية سبباً في خلود أغاني تلك الفترة، وهو أول من قسم الفنانين إلى درجات أولى وثانية وثالثة.
ترك العمل بالإعلام في الستينات، وظل حتى وفاته في 1979م أكثر المتعلقين بقضاياه.