
إبراهيم عيسى هدل يكتب: حميدتي من مخبئه يُؤتى الحكم
حميدتي من مخبئه يُؤتى الحكم
إبراهيم عيسى هدل
إعلان المتحدث الرسمي باسم تأسيس علاء الدين نقد لحكومة موازية بمناطق سيطرة مليشيات الجنجويد في دارفور وكردفان برئاسة الهمباتي حميدتي ونائبه عبدالعزيز الحلو وتنصيب محمد الحسن التعايشي رئيساً للوزراء مع منح حلفاء الجنجويد مناصب وزارية وحكام لأقاليم تقع خارج سيطرة المليشيا المتمردة، حيث تشكلت الحكومة بلا مؤسسات للدولة ودون أجهزة خدمة مدنية وبلا موارد مالية غير ما يجود به الكفيل والراعي الرسمي لدويلة العطاوة الكبرى.
لقد وجه “لايفاتية” الدعم السريع بوسائل التواصل الاجتماعي ولعل أبرزهم الربيع عبدالمنعم سهام نقدهم اللاذع لحكومة الجنجويد التي ولدت ميتة مستنكرين إحتكار “عيال جنيد” للسلطات التنفيذية والتشريعية بتنصيب الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان من إثنية واحدة، وهو ما يتنافى مع مبادئ الوطنية والقومية والرغبات التشاركية مع مختلف الاثنيات والقبائل السودانية عامة والدارفورية خاصة التي تضم العرب والزرقة والأبالة والبقارة معاً.
تُعتبر العودة للعصبيات القبلية والعنصرية البغيضة أولى معاول هدم الدولة القطرية والمدنية القائمة على حقوق المواطنة بلا تمييز والمساواة في الحقوق والواجبات، لتقوم مقامها دويلات وهمية كالعطاوة الكبرى، والزغاوة الكبرى، ودولة البحر والنهر، وبجا دولة، المرتكزة على عصبية العشائر العرقية والتقوقع الاثني والجهوي، ومن ثم تفتيت السودان وتقسيمه كما تقسم “المرارة” على حد وصف الأستاذ الراحل غازي سليمان المحامي.
يحلو للبعض العودة للماضي القديم خلال العصور التاريخية السحيقة ليتلمس عراقة متخيلة ومجداً متوهماً في عهد مملكة كوش وعاصمتها مروي التي استمرت حتى القرن الرابع الميلادي، مع إسقاط أسباب الانهيار من الحساب، والتجاهل التام لعوامل الضعف والتفكك بسبب النزاعات الداخلية والصراعات الإقليمية التي أدت لتدمير العاصمة مروي من قبل مملكة أكسوم. ومن ثم قيام ثلاثة ممالك مسيحية، وهي نوباتيا والمقرة وعلوة. حيث سادت الحضارات المسيحية فترة ثم بادت، وبانتشار الإسلام ظهرت سلطنات الفونج والفور والمسبعات وتقلي والعبدلاب وغيرها، وكلها لم تصمد أمام الغزو التركي فجمع والي مصر من قبل الباب العالي العثماني محمد علي باشا جغرافية السودان الحديث تحت ظل دولته الخديوية على انقاض الممالك والسلطنات الإسلامية القديمة، ثم آل السودان لحكم المحتل البريطاني بعد القضاء على الثورة المهدية.
أدى عجز النخب السودانية عن إقامة الدولة الوطنية والحكم الرشيد المستقر بعد الاستقلال، بالإضافة للخصومة مع التيار الإسلامي لالتماس البعض للعراقة التاريخية والحضارة والمدنية بالعودة لماضي ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام في عهود الجاهلية الأولى وتشرذم الدويلات المتناحرة باعتبارها غاية آمال أصحاب أجندات الإثنية المسيسة !! وها هي حكومة الجنجويد الموازية تتشكل على الورق ولا يعلم الناس مكان رئيس مجلسها الرئاسي زعيم العصابة الخفي حميدتي الذي عرد من القصر الجمهوري وأصبح كأبي الحسل “من مخبئه يُؤتى الحكم”.