ثنائي العاصمة .. (والله وحدوا بينا الفارقونا وراحوا)

ثنائي العاصمة .. (والله وحدوا بينا الفارقونا وراحوا)

بقلم: أمير أحمد حمد

ثنائي العاصمة، أو ثنائي “العظمة”، السني الضوي، ذلك الينبوع الذي تفجرت منه الألحان الشجية وتدفقت رقة وحنانا في أودية الفن السوداني المتشعبة. “ما سالتم يوم علينا” و”مين قساك” ومين قسا قلبك” تعتبر هاتين الأغنيتين من أوائل الأغنيات التي بشرت بميلاد مبدع في مجال التلحين الفني. فقد بدأ السني حياته الغنائية ملحناً، فلحن أيضاً “ليه بتسال عني تاني بعد ما شلت الأماني” و”قاصدني ما مخليني” وراخصني ما مغليني” للفنان الذري إبراهيم عوض، وهي من كلمات صديقة وزميله في قسم الحسابات في شركة النور، هكذا كانت تسمى، والآن الهيئة القومية للكهرباء (محجوب سراج).
كان الفنان إبراهيم أبودية يغني لوحده في بداية حياته الفنية، يغني أغاني الغير. فقد تغنى كثيراً بأغنيات عثمان حسين وأحمد المصطفى. وعندما ذاع صيت السني الضوي واشتهر بالتلحين، ذهب إليه في منزله بالخرطوم بحري عله يمده بالألحان التي تعينه في مشواره الفني. فوجد عنده أميّة الإبداع الفني اللواء جعفر فضل المولى. فكانت جلسة ما منظور مثيلها. هذه الجلسة كانت ميلاد ثنائي العاصمة. فقبل أن يفصح أبودية عن غرضه الأساسي الذي جاء من أجله، بدأ السني يدندن بأغنية لإبراهيم عوض، ولعلها أغنية “مين قساك”. فدخل معه أبودية في الأغنية، فكان التوافق الصوتي أشاع الطرب وعمل العجب في تلك الجلسة. فاقترح عليهما اللواء جعفر فضل المولى أن يكونا ثنائي، وقد كان.
فهذه واحدة من كرامات اللواء جعفر فضل المولى، الرجل المبدع، وهو في الأصل شاعر كتب للبلابل الأغنية المايوية الشهيرة “تسلم يا أب عاج أخوي يا دراج المحن” وأغنية “أنا غنيت لود القبائل سيد الرأي والفهم”.
بدأت مسيرة ثنائي العاصمة منذ مطلع الستينيات (1962)، وأصبحوا فيما بعد ثلاثي العاصمة بعد أن انضم إليهم الفنان محمد الحويج، والذي اشتهر بأغنية “مين أحلى من حبيبتي مين” من كلمات عبد المنعم عبد الحي وألحان برعي محمد دفع الله. ولكن لم يستمر الحويج كثيراً، حيث وافته المنية في عام 1964. وقد حزن عليه السني وأبودية حزناً جعلهما يتركا الغناء، ولكن عادا ثنائي مرة أخرى بعد مجهودات مقدرة من الأسطورة عثمان حسين ومحمد توم التجاني والملحن حسن بابكر.
أبدع ثنائي العظمة في تجميل وجدان الشعب بأجمل الأغنيات، حيث تميزت أغنياتهم بحسن الكلمات وعذوبة الألحان. فكانت أغنياتهم محفورة في ذاكرة محبي الفن والإبداع. تعامل الثنائي مع عدد وافر من الشعراء، ولكن ثنائيتهم مع الشاعر الدكتور علي شبيكة تمثل علامة مميزة في مسيرتهم الفنية. فقد تجاوزت أغنياته لهم العشرين أغنية، فكانت “مين يعصي أمرك” وأمرك يا حلو كل شي يرضيك ونحن بنعملو” و”ما قالوا عليك حنين وبس نان وينها الحنية” و”يا هلا” وغيرها من جميل الأغنيات.
كذلك تغنوا للشاعر محمد الطيب عربي بأغنية “ناس قراب منك”، وكذلك للشاعر محجوب سراج “حيرت قلبي معاك خليتو بيك مشغول” وأغنية “زي عينيا وغالية عليه وفيك عاجباني مشاعر حية”. كما غنوا أيضاً من كلمات مبارك المغربي أغنية “بدر سامي علاه”، ومن كلمات محمد يوسف موسى تغنوا بأغنية “وحيات المحبة”.
ويمتد تعامل الثنائي مع الشعراء، ولكن لا يسمح الزمن بذكر المزيد منهم. ولكن كما بدأ الثنائي ثنائياً وأصبحوا ثلاثياً وعادا ثنائياً، هاهي الأيام تعود بهم وأصبح السني مفرداً بعد رحيل فردته أبودية، فانطفأ بريق الثنائي وأصبح الأمر عصياً على السني أن يغني بمفرده، وحال لسانه يقول: “والله وحدوا بينا الفارقونا وراحوا وشالوا من وادينا بهجته وأفراحه”. فأبت نفسه الأبية أن يغني أو يداعب مزهره حتى لحق بفردته أبودية إلى الرفيق الأعلى بعد أن تركوا إرثاً غنائياً كبيراً في مكتبة الغناء السوداني. نسأل الله أن يسكنهما فسيح جناته.