د. الزين منصور السني يكتب: في الهند كانت لنا أيام

في الهند كانت لنا أيام
د. الزين منصور السني

المستشار والخبير الاقتصادي

أعزائي ومتابعي القراء الكرام، في البدء نتقدم بالشكر والعرفان والامتنان للأستاذ الكبير والصحفي الإعلامي المثقف، القامة والعلامة، أستاذنا حسين خوجلي، رئيس مجلس الإدارة ورئيس صحيفة ألوان اليومية، لإتاحته الفرصة لي بالكتابة عبر صحيفته الغراء.
مواصلةً وامتداداً للمقالات السابقة عن الهند ودورها في المجتمع الدولي وما تقدمه للشعوب من خدمات ومساهمات ومنح في كافة المجالات، وخاصة القضايا الإنسانية وحقوق الإنسان، والتي كنت أنشرها في صحيفتي الانتباهة وأخبار اليوم قبل التوقف عن الصدور في الفترة السابقة بسبب حرب 15 أبريل 2023 الوجودية والاستئصالية في السودان.
أثناء فترة دراستي الثانوية بمدرسة الخرطوم القديمة الثانوية العليا، كنت أفكر جلياً وكثيراً في دراسة الاقتصاد والعلوم الدراسية بجمهورية الهند. وبعد أن أكملت دراسة القانون بجامعة الإسكندرية لمدة عامين ثم بجامعة بيروت، كانت تجول بخاطري وفكري الدراسة بالهند. وما إن أُتيحت لي الفرصة في الثمانينات من القرن الماضي، حتى حزمت أمتعتي وفوراً اتجهت نحو الهند العريقة والعظيمة: من الإسكندرية إلى الخرطوم، ومن ثم إلى مومباي عبر مطار “صَحارى”، ثم إلى مدينة “بونا” الحنونة كما يحلو للطلاب السودانيين تسميتها حتى الآن.
ولماذا اختار كاتب هذه المقالة هذا العنوان (في الهند كانت لنا أيام)؟
سوف أسردها لكم عبر سلسلة من المقالات. اختيار الهند لم يكن بمحض الصدفة، بل أتى نتيجة ما تتميز به دولة الهند من مكانة عالمية مرموقة، مستمدة من إرث قديم وثقافة وتراث وحضارة عريقة وتليدة في العالم.
الهند بلد التاريخ والثقافة والعلوم والتراث الآسيوي المعروف عبر التاريخ والأزمنة. وقد اخترتها لجمال الطبيعة والقيم والأخلاق والرقي الذي يتميز به الشعب الهندي والقيادة الرشيدة الواعية لقادة ومفكري ومثقفي وعلماء وفلاسفة الهند.
إن الهند تتمتع بالتعليم الجامعي وفوق الجامعي والبحث العلمي في كافة المجالات العلمية والفكرية. فقد كان القادة والسياسيون الهنود – أمثال الزعيم والأب الروحي للشعب الهندي المهاتما غاندي، والزعيم السياسي المحنك جواهر لال نهرو – من طراز أميز المفكرين العالميين.
اختياري للهند كان اختياراً حقيقياً، فهي دولة يسودها روح القانون والدستور والديمقراطية. وتعتبر من أكبر دول العالم وأولها من حيث كثافة السكان عالمياً، إذ يبلغ عدد سكانها 1.5 مليار نسمة، وتأتي الصين في المرتبة الثانية بعدد سكان يبلغ 1.4 مليار نسمة، وليس العكس كما يُقال.
كما أن الدستور الهندي يُعتبر من أطول الدساتير في فقراته وبنوده، فهو دستور دائم وليس مؤقتاً، وتتم تعديلاته وفق معايير ومعادلة دقيقة. قام بصياغته وصناعته وكتابته العالم والمفكر الدكتور أمبدكر (Dr. Ambadkar)، ويُعتبر الدستور الهندي من أصلب وأقوى الدساتير وأكثرها مرونة على مستوى العالم. وقد استمدت غالبية الدول مصادر تشريعاتها ودساتيرها من الدستور الهندي.
فهو دستور صلب ومرن في الوقت ذاته، وأسس لديمقراطية متقدمة. وتُعتبر الهند من أكبر الديمقراطيات في العالم؛ حيث يقوم نظام الحكم على التعددية والفيدرالية، ويُعتبر النظام الرئاسي نظاماً تشريفياً، أما السلطة التنفيذية الفعلية فهي بيد رئيس الوزراء.
إن الدستور الهندي دائم وليس مؤقتاً، ويتم التعديل في بنوده بصورة معقدة، مما يجعله يحتفظ بقوته وصلابته ومرونته. وقد أسس لنظام حكم ليبرالي ديمقراطي متقدم.
كما أن رئيس حزب المؤتمر الوطني الهندي، الزعيم والقائد جواهر لال نهرو – والد الزعيمة الهندية أنديرا غاندي – كان أول رئيس وزراء للهند بعد الاستقلال من التاج البريطاني عام 1947، أي قبل وضع الدستور الدائم عام 1949. وكان حزب المؤتمر الوطني الهندي وقتها صاحب الأغلبية من الشعب الهندي.
وعلى الرغم من سيطرة طائفة الهندوس عليه، إلا أن حزب المؤتمر الوطني الهندي حزب جامع، يضم ويشمل كل الطبقات والطوائف الدينية: هندوس، مسلمين، مسيحيين، بوذيين وسِيك وسردار بنجاب.
أعزائي القراء الكرام، نعدكم بالمواصلة في كتابة سلسلة من المقالات تباعاً خلال هذه الأيام وعبر هذه الصحيفة الغراء ألوان.