إلغاء اجتماع الرباعية .. أسئلة تنتظر إجابات

إلغاء اجتماع الرباعية .. أسئلة تنتظر إجابات
تقرير: مجدي العجب
برغم الزخم الإعلامي والركبان التي سارت باجتماع الرباعية المرتقب في الأيام القليلة القادمة المتعلق بالحرب في السودان، وبرغم استضافة وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو” له، ولكن تم إلغاؤه بشكل مفاجئ، الأمر الذي جعل البعض يرفعون حواجب الدهشة، ما يعني أنها خطوة غير متوقعة برغم تحضيرات الدول المشاركة في الاجتماع “مصر، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”. ولكن الغريب في الأمر أنه لم تصدر أية تصريحات رسمية أمريكية توضح سبب الإلغاء. حيث أفادت مصادر مطلعة في وزارة الخارجية الأمريكية لصحيفة «الشرق الأوسط» أن الاجتماع المرتقب للجنة الرباعية بشأن السودان قد تم إلغاؤه، ولم تُعلن الوزارة عن أسباب الإلغاء أو عن موعد بديل.
توقعات بموعد جديد
وفي هذا السياق، أشار السفير المصري في واشنطن، معتز زهران، إلى احتمال تأجيل المؤتمر إلى شهر سبتمبر المقبل، مؤكداً اهتمام الدول الأعضاء في الرباعية بمواصلة الضغط الدولي للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السودانية. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد حددت أهدافاً واضحة لهذا الاجتماع، من بينها إطلاق حوار سياسي شامل، ووقف التدخلات الخارجية، والتأكيد على وحدة السودان وسيادته، إلى جانب إصدار بيان مشترك يدعو إلى إنهاء الأعمال العدائية، وإطلاق مبادرات سياسية تضمن وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة. ومع ذلك، فإن الشكوك حول فعالية الاجتماع وقدرته على إحداث اختراق حقيقي في ملف وقف إطلاق النار وحماية المدنيين كانت منتشرة بين النشطاء السودانيين، خاصة في ظل غياب ممثلين عن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عن طاولة الحوار.
تباين الرؤى
وفي تعليقها على خلفيات الإلغاء، أوضحت أريج الحاج، الباحثة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمتخصصة في الشأن السوداني، أن هناك تبايناً في الرؤى بين الأطراف المنظمة للاجتماع. وأشارت إلى أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو كان يسعى إلى توسيع المشاركة لتشمل دولاً أخرى مثل قطر والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى دول من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، بهدف تكثيف الضغوط الدولية لإيجاد حلول للأزمة السودانية. في المقابل، كان المستشار الرئاسي مسعد بولس، الذي يجري مشاورات بين طرفي النزاع، يفضل حصر الاجتماع في إطار الرباعية فقط، دون توسيع المشاركة. وأضافت الحاج أن غياب ممثلين عن الجيش السوداني أو قوات الدعم السريع لم يكن السبب الرئيسي وراء إلغاء الاجتماع، بل إن السبب يعود إلى تعقيدات المشهد السوداني الداخلي، والتوازنات الإقليمية الحساسة، خاصة في ظل توجهات نحو إعلان حكومة موازية في السودان. وأعربت عن قلقها من احتمال تراجع الزخم الأمريكي في هذا الملف، مشيرة إلى أن واشنطن قد تستمر في مراعاة المصالح الإقليمية على حساب التوصل إلى نتائج تصب في مصلحة السودان كدولة أو في صالح فصيل سياسي معين. وأكدت أن الولايات المتحدة تنظر إلى الملف السوداني من منظور براغماتي يرتبط بالتوازنات الإقليمية، لا سيما في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والحد من النفوذ الصيني والروسي في المنطقة.
مؤشرات
ويقول الأكاديمي والمحلل السياسي دكتور الرشيد محمد إبراهيم أن تأجيل اجتماع الرباعية في واشنطن للمرة الثانية على التوالي له أكثر من مؤشر ومعنى. وعدد دكتور الرشيد في تصريح لألوان أسباب ومؤشرات الإلغاء قائلا بأن هنالك تباين في القضايا والموضوعات. وهنالك تضاد في الرؤى والتصورات لإنهاء الحرب في السودان. ومستوى الإدراك والوعي بالمهددات الناجمة عن أي صفقة غير مدروسة الجوانب يفسر حالة التردد وعدم اليقين التي تسيطر على نقاشات الرباعية. وأضاف: تأجيل مواعيد الرباعية وتواتر الرفض الأفريقي والعربي يفسر لصالح المشروع الوطني السوداني وشرعية الحكومة السودانية القائمة الآن ولا يدعم بأي حال من الأحوال إعلان تحالف المليشيا وتأسيس. وذهب الرشيد في حديثه لنا: إذا كان هذا حال الشرعية الدولية من حكومة المليشيا فإن الشرعية الداخلية ليست أقل ضعفا ووهنا. بل إن الرفض الخارجي سيضعف من فرص التأييد الداخلي ويحبط كل ما بني عليه من آمال وتعويل ووعود.
اهتمام متأخر
وقال الأكاديمي والمحلل السياسي دكتور محمد تورشين أن اهتمام أميركي متأخر بالأزمة السودانية بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023، وأضاف تورشين في حديث لألوان إن هذا الاهتمام لم ينبع من خصوصية المسألة السودانية بقدر ما عكس سعي الولايات المتحدة لتعزيز حضورها الاستراتيجي في إفريقيا، خصوصاً في الدول الغنية بالمعادن الأرضية النادرة الضرورية للصناعات التكنولوجية والدفاعية. وهو ما يفسّر دورها النشط في ملف الكونغو، لكنه يسلّط الضوء على سطحية تدخلها في الملف السوداني. وزاد في قوله النهج الأميركي اعتمد على دعم أطراف خارجية ذات مصالح في السودان، “مجموعة الرباعية”، متجاهلاً الفاعلين المحليين الحقيقيين. وهذا ما أفرز مقاربة تتسم بالاختزال والتبسيط، وتغض الطرف عن جذور الأزمة العميقة المرتبطة ببنية الدولة السودانية منذ تأسيسها. وذهب تورشين في حديثه لنا قائلا: إن الأزمة السودانية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات سياسية واقتصادية وهيكلية تمتد من الثورة المهدية إلى تهميش الأقاليم، وفشل النخب في بناء دولة المواطنة. لذلك، فإن أي محاولة للحل يجب أن تنطلق من إعادة هيكلة الدولة على أسس فيدرالية، تتيح توزيعاً عادلاً للسلطة والثروة، وتعالج قضايا العلاقة بين الدين والدولة، والمشاركة السياسية والتنمية. وفسر إلغاء اجتماع الرباعية بأنه ليس له تفسير سوى تقاطعات الدول التي تتمتع بمصالح مع السودان والتي قد لا تقبل بعودة الدعم السريع وأخرى تريد أن تفرض الجنجويد من جديد. وهنا يصبح الجدل قائما والتكهنات جارية حيث لم يوضح وزراء الدول الأربع أسباب إلغاء الاجتماع والأيام القادمة سوف تكشف سبب ذلك.