أولم ترى الفرقان وهو مفصّل .. لم يلفت البوذي عن أوثانه؟!

ولألوان كلمة
حسين خوجلي
أولم ترى الفرقان وهو مفصّل .. لم يلفت البوذي عن أوثانه؟!
+ قرأت قبل أيام في أحد المواقع قصة الأسرة العربية التي يعمل الأب فيها موظفاً في حقل الإدارة البيطرية والأم في قطاع اقتصادي مريح لهم ما يكفيهم وزيادة لهم ابنة تمت تنشئتها بالطريقة التقليدية على حب واحترام ونصف تفهم وربع تأثير والجميع تجتاحهم الحياة فلا يجدون للأبناء من الزمان والمكان إلا الفتات فيغتالهم الانترنت.
تخرجت الابنة وأصبحت تبحث عن الوظيفة والزواج والاستقرار تطاردها أحلام الكفاية المادية والوعد بصنو الروح وهي لا تملك تجربة واثقة والبطالة تملأ الدروب بالملايين.
عملت فترة في السياحة فحاصرها الذئاب فقدمت استقالتها وعادت مرة أخرى إلى دوامة الحيطان، دخلت الانترنت كالعادة ولكن هذه المرة إلى غرفة الدردشة وهي من الأمور الخطيرة في حياتنا حيث يقع الأبرياء في عش الدبابير بسذاجة فتصيبهم جراح المجرمين وعصاباتهم والمساكين لا يعلمون أن محادثة الذي لا تعرفه هي مثل السكن مع مجرم لمجرد أنه إنسان له هيئة الملايين والمحاولة الفطيرة للطمأنينة به ومحاولة الطمأنينة له بدون أي خلفية أو معرفة أو استقصاء.
وقعت في شاب وسيم متخيل حسب صورته واندلق الحديث فعرف عن المسكينة كل شيء في كل شيء وتدحرجت المسكينة خطوة خطوة صوب الهاوية، بعد أن اقنعها أخيراً بالاختلاء للاختبار وتجريب الثقة بعيداً عن عيون الناس وللذئب تجارب وحيل وادعاءات ودار الأمر كما أراد حتى فقدت شرفها بلا ثمن وبلا وعي وتوالت اللقاءات حتى هجمت الشرطة على الشقة المشبوهة وتم ضبط المسكينة بالجرم المشهود. وبدأت سلسلة الإجراءات والمعتقلات وانتظار المحاكمة ثم السجن والغرامة وسمعة الأسرة التي تمرغت بالتراب. صعدت الأم متهالكة أو بالأحرى تسفلت نحوها وهي تراها (بالفلاش باك) تعقد لها ضفيرتها نحو الروضة والمدرسة وتعد لها إفطار الصباح حتى صارت صبية مثل القمر تنافس عليها الأعين وكلمات الغزل.
ثم جامعية تنتظر الوظيفة والبيت السعيد والمستقبل الأسعد. ثم هشيماً تذروه الرياح.
لماذا انهار كل هذا في ثوان وصارت غرفة النوم المعطارة زنزانة حريم متسخة وصارت الفتاة المتعلمة مجرد خبر حزين في جريدة الحوادث ودبوس في عامود التحري. وانهارت الأم أولاً ودخل الجميع من بعدها الزنزانة المتخيلة بالحديد والحقيقية لكن بأسوار الفضيحة.. وتطل عشرات الأسئلة المشروعة هل لم يؤدبها أحد؟ لا فقد أدبها الجميع ورأت وسمعت وقرأت.. ولكنها تجربة الأخلاق المثالية لا الأخلاق العملية فالطريق الذي يؤدي إلى فراش الرذيلة هو شكلاً ذات الطريق الذي يؤدي إلى فراش الفضيلة..
والفتى السينمائي الوسيم قد يكون في الشكل منتجاً وخلوقاً وقد يكون أيضاً عاطلاً (وابن ستين كلب). والمسكينة وقعت بين هؤلاء الستين وراحت (في ستين).
ولأن التجربة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هي عندنا تجربة شفاهية وبدون قاعدة للبيانات.. فالجميع يبدأون من درجة الصفر وبدون أي رصيد معرفي غير المثال.. وفي هذا الطريق تحولت مئات الحالمات بالحلال إلى قحاب.. وتنكب الكثير من الثوار طريق الوطنية فارتموا في حضن العواصم المشبوهة والجمعيات المشبوهة فصاروا من حيث الأصوات مدافعين عن حقوق أهليهم ومن حيث الوظيفة أصبحوا مجرد دمي في أيدي الاستعمار الجديد يوفر لهم السكن والإعاشة والشهرة والصوت الجهير والأدوار والسلاح والطعام المسموم المعلب القاتل فيصبحون مقاتلين بالوكالة وتصبح دولهم وأهاليهم ضحايا في أوار نار العمالة ويظنون أنهم يحسنون صنعاً..
عزيزي القارئ حدق في كل أزمة شخصية أو جريمة تحسبها في أول الأمر حكاية للتسلي والاعتبار العابر.. ولكن بقليل من التدبر يصبح اللص والمشرد والجاهل والمريض والساقط والساقطة وطناً..
والبلدان مثل أهليها تتكاثر عليها دمامل البؤس فيصبح الناس وطناً ويصبح الوطن ناساً.. ولذلك كانت عاد وثمود وقوم صالح وفرعون واليهود مجتمعات تكاثفت عليها الأزمات فصار اسم الأزمة من اسم الأمة.
وفي كل يوم يضيق فيه شرف المشروع القومي العربي والأفريقي ويفقد الناس طلاقة الوحدة والتكامل واطلاق روح الكفاءات والمهارات ومجتمعات الكفاية والعدل.. يتكدس الناس وتتكدس المشاعر وتستفحل الجريمة وتعلو نزر مجتمع الكراهية الذي بدأ يتمدد بطريقة مخيفة في العواصم العربية والأفريقية.
إن الأزمات والكوارث التي نراها الآن أكبر بكثير من ثقافة الحاكم العربي ومؤسساته وأذكى من منابر آلاف الوعاظ والمصلحين من أصحاب المشاريع الصوتية.
إن حالتنا الراهنة تحتاج لمجموعة مفكرين يفلقون ببصيرتهم المتقدة قامة الشعرة ويفتتون إبرة الضوء.. هذا أو الطوفان، وهذا زمان أصبح فيه الفرق بين الفتاة والوطن فرق مقدار لا نوع، كما يقول أهل التصوف والزهاد. وإلا ستدخل كل العواصم العربية والأفريقية الشقة المشبوهة رجل وامرأة امرأة ورجل ثالثهم الشيطان ورابعهم الأيدز وخامسهم البطالة وسادسهم اليأس العريض.
أما دورية الآداب فستكون هذه المرة مجنزرة وسيقتحم المارينز الأبواب!.
ولأن هذا زمان الشكوى فقد صدق حافظ بعد أن استبدلنا مفردة (الشعر)، (بالحق) والقريض بالوعيد فقط لا غير فاستقام المعنى:
أشكو إليك من الزمان وزمرة
جرحت فؤاد الحق في أعيانه
كم خارج عن أفقه حصب الورى
بوعيده والعجب ملء جنانه
يختال بين الناس متئد الخطا
ريح الغرور تهب من أردانه
كم صك مسمعنا بجندل لفظه
وأطال محنتنا بطول لسانه
ما زال يعلن بيننا عن نفسه
حتى استغاث الصم من إعلانه
نصح الهداة لهم فزاد غرورهم
واشتد ذاك السيل في طغيانه
أو لم تر الفرقان وهو مفصل
لم يلفت البوذي عن أوثانه؟!!
+ ومن الهدايا قال حكيم: (إني نظرت إلى قول الله تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)..
فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله.