الشاعر حسين عثمان منصور .. كلمات رائعة وعطاء غير محدود

الشاعر حسين عثمان منصور .. كلمات رائعة وعطاء غير محدود
بقلم: أمير أحمد حمد
الشاعر حسين عثمان منصور قصة مسيرة مترعة بجميل الكلمات والعطاء الثر، نهلنا معه من معين الإبداع حينما تغنى لنا من كلماته عبقري الأغنية السودانية الكاشف:
ذكرياتي كلها ذابت على وتر غناء
وكل أيامي على كفي بقايا من دموع وبكاء
أيها المعشوق رفقا في قلوب العاشقين
فأنا أهواك ولكن أنت لا تسألين
ولم نفق من إبداع الكاشف حتى فاجأنا سيد خليفة بجميل الكلمات حفها الحبب عندما سكبها من روحه وإنداحت بسلاسة النغم الشجي النقي:
أغنيات فى شفاه الحب غنّاها الجمال
والمنى يا روح قلبي ليس يفنيه الدلال
أغرقتني بين أمواج المنى
والمنى شطّ على بحر الغرام
والناظر إلى شعر حسين عثمان منصور يجد أنه قد تأثر كثيرا بالشاعر التونسي أبو القاسم الشابي للدرجة التي جعلته يعكس اعجابه في اطلاق اسم نجله الأكبر بالشابي وابنته عذبة التي وردت في قصيدة (صلوات في هيكل الحب) التي تغنى بها الفنان حسن سليمان الهاوي الذي يعتبر أول من تغنى بكلمات الشاعر حسين عثمان منصور وهي أغنية (الملاك الساكن)، وكلمة عذبة كما ذكرنا وردت في المقطع: (عذبة انت كالطفولة كالأحلام)،
وكذلك حينما أصدر الشاعر أول مجلة تهتم بالفنون في السودان عام ١٩٥٦ أطلق عليها اسم (الصباح الجديد)، وهي عنوان لإحدى قصائد الشابي.
وجدير بنا أن نشير بأن هذه المجلة قد أحدثت حراكا كبيرا في المجال الفني والنقد فقد كان شاعرنا عنيفا في نقده لعدد من الفنانين والشعراء وإذكاء نار الجفوة بين الشعراء والفنانين كجفوة الفنان إبراهيم عوض وعبد الرحمن الريح. وكذلك نقده اللاذع للفنان محمد وردي ونقده لعثمان حسين وشاعره حسين بازرعة، عندما قدم عثمان حسين أول أغنياته لبازرعة وأردفها بالوكر المهجور. عندها إنبرى حسين عثمان منصور وهاجم تلك الأغنيات بأنها تدعو للتفسخ والفجور وطعن في شاعرية بازرعة حينما إتهمه بأنه يسرق أفكار شاعر لبناني وأطلق عليه إسم (حسين باسرقة). والغريب بعد هذا النقد والهجوم غنى إبراهيم عوض من كلمات حسين عثمان منصور أغنية (شهر العسل) المشهورة ب لو قلت ليك. كذلك غنى له عثمان حسين أغنية (وحياة عيون الصيد). ولكن للأسف توقف صدور هذه المجلة في ثورة مايو.
وشاعرنا تغنى بكلماته مجموعة من رواد الأغنية السودانية ولعل أكثرهم حسن عطية حيث غنى له أكثر من عشر أغنيات والكاشف وعائشة الفلاتية وعثمان حسين وسيد خليفة. ولاننسى كذلك أبناء حيه، حسن سليمان الهاوي ومحمد حسنين وإبراهيم عوض وأبوداود وأحمد المصطفى والفنان حسن درار وصلاح محمد عيسى وغيرهم.
ولعل البيئة والبيت الذي نشأ فيه شاعرنا ساعده على هذا الإبداع حيث وولد في الخرطوم القديمة في النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي (١٩٢٦) وقد نشأت في تلك المنطقة عدد من الأسر الأجنبية المتعددة الثقافات وكان منزلهم يعج بالزوار حيث كان والده عمدة الخرطوم (عثمان منصور)، وعاش شاعرنا بين عصبة من الأخوان عددهم ثلاثون من البنين والبنات من زوجات خمس لم يكن أكبرهم ولا أصغرهم، بل كان وسطهم فإستفاد منهم كثيرا وكعهد أبناء ذلك الزمان إلتحق حسين منصور بالخلوة ودرس الكتاب في مدرسة الخرطوم شرق التي أسست في العهد التركي عام ١٨٥٠ في عهد عباس باشا حلمي وكان أول ناظر لها المدرس المصري المشهور رفاعة رافع الطهطاوي الذي نظم قصيدة أساء فيها للشعب السوداني عندما غادر إلى مصر. وأول ناظر لها من السودانيين شاعرنا أحمد محمد صالح شاعر العلم كما درس المرحلة الثانوية بمصر وبعدها إلتحق بكلية القانون بجامعة الأسكندرية عام ١٩٤٨ولكن لم يكمل دراسته فيها لممارسته السياسة وخروجه في مظاهرات ضد الحكومة المصرية فقد كان شاعرا ممارسا للسياسة من أوسع أبوابها وكتب فيها الكثير وتنقل بين عدد من الأحزاب السياسة منها الأشقاء والوطني الاتحادي.
نسأل الله أن يرحم ويغفر لشاعرنا حسين عثمان منصور فهو من الشعراء الذين لم ينالوا حظا من الاعلام، فضاعت ذكراه في الجيل الحالي، رغم أنه وثق كثيرا لأهل الفن عبر الإذاعة السودانية التي قدم فيها برنامجا نسبه لأهل الفن.