عبد اللطيف السيدح يكتب: مدينة المنابع تهدينا تاريخ التقانة

مدينة المنابع تهدينا تاريخ التقانة

عبد اللطيف السيدح

إنه لمن الفخر العظيم والغبطة الغامرة أن نتلقى مع تباشير الخريف هدية علمية تقنية ثقافية حضارية ثمينة من ابن السودان البار، رائد التعليم التقني، وعلَم من أعلام المعرفة الحديثة، الدكتور المعتز محمد أحمد البرير، الذي أهدانا كالعهد به دوما وبكرمه الفيّاض وجميل سجاياه كتابه الموسوم “تاريخ التقانة”، تلك اللؤلؤة المتألقة التي انبثقت من عمق مدينة المنابع أم درمان، العاصمة الوطنية التي ظلت ترفد الوطن بالمبدعين والفرسان، وبالعقول النيّرة والقلوب المؤمنة بقضية الوطن والإنسان.
لقد جاء هذا الكتاب نفحة من عبير أم درمان، وهي تقول بصوت التاريخ المجيد
“أنا أم درمان، أنا السودان، أنا الدرّ البزين بلدي، أنا البرعاك يا ولدي.” فلا عجب أن يكون المؤلف ابن هذه المدينة العبقرية، التي لم تعرف غير الإنجاب النبيل، والعطاء المتجدد، والريادة في شتى ضروب الفكر والثقافة.
“تاريخ التقانة” ليس كتابًا عاديًّا يُضاف إلى رفوف المكتبات، بل هو منجم مكنون، وكنز معرفي دسم، يغوص بنا في رحلةٍ تاريخيةٍ ثرية، تُسلط الضوء على مسيرة تطور مدينة أم درمان ناسها وفنها وأحياؤها واسهاماتها الحضارية الكبيرة من خلال جامعة التقانة.
وعالج المؤلف دور التقانة في نهضة الأمة بأسلوب رصين، وتحليل علمي رفيع، ينبض بروح الباحث الملتزم، والمؤرخ الدقيق، والمعلم الراسخ في رسالته، الأمر الذي يجعل هذا العمل متفردًا، ليس فقط موضوعه الحيوي، بل في روحه الوطنية العالية التي تسري في جنباته، إذ استطاع ود ثريا بنت المقبول أن يربط الماضي بالحاضر والمستقبل، ويستخرج من بئر التاريخ دروسًا تشعل شموع النهضة في دروب الأجيال الجديدة، وتضيء لهم سبل الإبداع في عالم سريع التحوّل، تقوده التقانة وتوجهه المعرفة.
الدكتور المعتز البرير، في هذا الكتاب، لا يُحدّثنا عن التقانة كجمادٍ أو أدواتٍ فحسب، بل يرينا كيف يمكن أن تكون التقانة مشروعًا وطنيًا، ورؤية حضارية، ورافعة لبناء الإنسان السوداني الحديث، الذي يتسلح بالعلم، ويقود قطار التنمية بوعي وثقة واستنارة.
لذلك نقول، طوبى لنا بهذا الكتاب، وطوبى لأم درمان التي أنجبته، وطوبى للسودان الذي يفخر بأمثال الدكتور المعتز البرير، وطوبى للتقانة وقد وجدت مؤرخًا عظيمًا، ووفيًّا وسودانيًا خالصًا.
حفظ الله هذا القلم الذي نثر درره في “تاريخ التقانة”، وجعل من هذا السفر حياة ناطقة لمدينته التي أحبها قمحا ووعدا وتمني، ويريده أن يكون نبراسا وهاديا للدارسين والباحثين والمهتمين ببناء وطن يسير على درب العلم والكرامة