يوسف محمد الحسن يكتب: كثير من النجوم قليل من الواقعية

تحت السيطرة

يوسف محمد الحسن

كثير من النجوم قليل من الواقعية

في كل بداية موسم، نجد أنفسنا نعيش ذات الطقوس، نُفرح بتدفقات الأخبار القادمة من مكاتب التسجيلات، وننتشي بسماع أسماء النجوم الجدد المنضمين للفريق، نبارك ونحلل ونحتفي، ونظن في لحظة من لحظات الأمل أن الإدارة هذه المرة قد فعلتها، وأن الإضافات التي أُنجزت جاءت وفق رؤية فنية واعية، وأن الثغرات التي ظلت تؤرقنا قد سُدّت أخيرًا، وأن الفريق بات جاهزًا ليكتب فصلًا جديدًا من المجد.
لكن ما إن تبدأ عجلة التنافس في الدوران، وتدخل الأندية معمعة المباريات الحقيقية، حتى تصدمنا مشاهد غير متوقعة، ويتبدد ذلك التفاؤل الساذج، ونكتشف من جديد أن بعض الخانات ما تزال تُعاني من النقص، وأن بعض النجوم الذين إحتفلنا بهم على الورق، لا وجود لهم على الميدان، إما لأنهم خارج التشكيلة، أو لأنهم لم يقدموا ما يشفع لهم بالبقاء في التشكيل الأساسي، والأسوأ أن الفريق، بعد كل ذلك الضجيج، قد يخرج بنتيجة غير مرضية حتى وهو يزج بتلك الأسماء التي كانت تبشر بشيء مختلف.
في كل بطولة أفريقية، نعايش ذات الإحباط، نبدأ الأحلام مبكرًا ونرتفع بسقف الطموح، ثم نتفاجأ بأن خانة أو أكثر أصبحت مكشوفة ويبدأ الحديث الموسمي عن أهمية تدعيمها في التسجيلات القادمة، وكأننا لم نكن نعرف أصلًا أنها خانة تحتاج إلى تقوية منذ أشهر.
لا أفهم، ولم أعد أجد تبريرًا منطقيًا لهذا التكرار القاتل، لماذا لا يكتمل البناء؟ لماذا لا نصل إلى مرحلة نبدأ فيها موسمًا أو بطولة قارية وفريقنا مكتمل في كل الخطوط؟ لماذا يظل حلم الفريق المتوازن مؤجلًا إلى إشعار غير مسمى؟.
الفرق التي تحرز البطولات ليست تلك التي تضم أسماءً لامعة فقط، بل هي الفرق التي تُبنى بطريقة متكاملة، تُؤسَّس على رؤية واضحة، وتُدار بحكمة، وتمتلك لاعبين أساسيين يُحسنون التمركز والتحرك وصناعة الفارق، وبدلاء بنفس الجودة جاهزين للإنقضاض على الفرصة متى أتيحت، فريق البطولات لا يخشى الغيابات لأنه يملك أكثر من حل، لا يخاف إصابة نجم أو إنتقال لاعب، لأنه لا يعتمد على فرد، بل على منظومة جماعية راسخة.
فريق البطولات يملك مرمى آمنًا بحارس واثق، وخط دفاع منسجم لا يرتبك تحت الضغط، ووسطًا قويًا يفرض إيقاعه، وهجومًا يعرف كيف يُنهي الأمور دون تعقيد، وفوق كل ذلك دكة بدلاء حقيقية لا مجاملة فيها ولا نقصان.
في ملاعبنا، نفتقد كثيرًا لهذا النضج، ما زلنا نحتفل أحيانًا بالتسجيلات وكأنها غاية لا وسيلة، نبني الفريق كما تُبنى الفزعة لا كما تُبنى الخطط، نبحث عن لافتة نجم تُرضي الجمهور، ثم نُفاجأ لاحقًا أنه لا يُناسب حاجة الفريق أو لا ينسجم مع بقية التوليفة، ننجح في ضم مهاجم مميز لكننا ننسى أن الفريق بلا صانع لعب، أو نُحصّن الوسط ونهمل الدفاع، أو نمتلك حارسًا كبيرًا ولا خط يقيه الأخطاء.
وكلما خسرنا لاعبًا مهمًا بسبب إصابة أو أو بطاقة ملونة ضاعت البطولة، لأن البديل ببساطة لم يكن في المستوى، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى، من فرقنا الكبرى التي ودّعت المنافسات بسبب نقطة ضعف واحدة لم تُعالج، أو غياب لم يُحسب له حساب.
إن أكثر ما يحزن في هذا الواقع، أن أحلام الجماهير أكبر من إمكانيات الإدارة الفنية، وتوقعاتنا دائمًا تصطدم بواقع يخذلنا، وكلما قلنا هذي المرة مختلفة وجدنا أنفسنا نعيد نفس العبارات القديمة الفريق يحتاج لظهير الهجوم ضعيف لا يوجد بدلاء، لاعب الارتكاز غير منضبط، وهكذا ندور في ذات الحلقة دون أن نصل إلى نقطة الاكتمال.
نحن لا نطلب المستحيل، ولا نحلم بما لا يُمكن تحقيقه، فقط نحلم بأن نرى فريقًا مكتمل الأركان، فريقًا حين نراه نطمئن، لا نقلق من خانة، ولا نضع أيدينا على قلوبنا مع كل غياب، فريقًا عندما يخوض منافسة قارية لا نبدأ الحديث من أول مباراة عن نواقص يجب تدعيمها، بل نبدأ بالثقة، ونُكمل بالمنافسة، وننهي بالطموح الواقعي.
نحن نحلم، لا أكثر، نحلم بفرق بطولات حقيقية، تعرف كيف تُبنى، وتُدار، وتُجهز، وتنافس، وتُقاوم، وتفوز.
متى يتحول هذا الحلم إلى واقع؟ لست أدري، لكنني أعلم شيئًا واحدًا طالما ظلت الإدارات تتعامل مع التسجيلات كحملة موسمية لإرضاء الجمهور، وطالما ظلت الرؤية الفنية غائبة أو مهمشة، سيظل الفريق ناقصًا، وسيظل السؤال مطروحًا متى نرى الفريق مكتمل الخطوط ليصل للبطولات التي نحلم بها؟