د. محمد المصطفى: هذا (…. ) ما تحتاجه ولاية الجزيرة لتتعافى من انتهاكات المليشيا

الخبير العسكري والاستراتيجي د. محمد المصطفى ل (ألوان):
هذا (…. ) ما تحتاجه ولاية الجزيرة لتتعافى من انتهاكات المليشيا
علينا نبذ التفرقة والعمل على محاصرة المهددات
بسط الأمن ليس بالصورة المطلوبة ولا يتماشى مع حجم الخطر الذي كان ماثلا
لا يزال موقف الخدمات بالولاية مبهما ومتراجعًا
حوار: مجدي العجب
ما بين اجتياح مليشيا الدعم السريع لولاية الجزيرة وتحريرها حدث الكثير والمثير في الولاية، خاصة وأن المليشيا لم تراع إلا ولا ذمة، لا في المواطن ولا البنى التحتية التي خربتها خرابا ممنهجا يحتاج لحكومة بقيادة ذات قدرات مختلفة حتى تعيد الولاية سيرتها الأولى وإجراء بعض المصالحات بحيث أن ولاية الجزيرة تشكل خارطة السودان المصغر ومسح الآثار النفسية للمواطن. (ألوان) جلست إلى الخبير الاستراتيجي الدكتور محمد المصطفى وطرحت عليه عدد من الاستفهامات فيما يتعلق بالخدمات وأمن المواطن ومسح الآثار النفسية ومحاور أخرى فإلى إفاداته.
بعد الحرب اتضح بأن هنالك كثير من الخروقات والثغرات في بعض الولايات وخاصة ولاية الجزيرة؟
بلاشك المهددات الأمنية تفرض نفسها وسط انعدام الخدمات وتعثر في الحصول عليها بطريقة سلسة. الجزيرة منطقة ملتقى طرق وعبور من الجنوب للشمال والشمال الشرقي ولذلك لا يستبعد أن تكثر بها الثغرات وتتنوع المهددات للأمن الإنساني. ويتجدد هذا التهديد بسبب ما أصابها من الحرب ومطلوباتها، مثل حمل السلاح واقتناءه والذي كان ضرورة قصوى، لكنه الآن أصبح مهددا لأنه لم يتم التعامل معه كفرصة للحفاظ على حالة الأمن وطرد العدو ورفع الوعي بضرورة حمله والتعامل به عند الضرورة حتى لا يصبح الناس لقمة سائقة في ظل تشرنق المجموعات المسلحة ونشوء أخرى، إضافة إلى القوات المشتركة والمستنفرين وغيرها.
وبلاشك إن لم تتم مأسسة هذه القوات وترتيبها وفق أسس سليمة تراعي مصلحة الأمن الداخلي والقومي ستصبح كارثة ومهدد وأكبر ثغرة يمكن أن تنسف الأمن والاستقرار، خاصة وأن حمل السلاح يجلب الطغيان. ولذلك هذا أوجب الواجبات. ومانشهده الآن ارتباك كبير وضعف في مواجهة هذا المهدد أو هذه الثغرة، مؤكد ستتطور تداعياته كما يحدث الآن وتتوسع تأثيراته على المشهد الأمني بالولاية، وملامح ذلك واضحة بينة نراها رأي العين، وكأن أهل الشأن والاختصاص في غيبوبة، ونسوا ماحدث لهذه الولاية من انكسار وفرط الأمن أدى إلى خروج كثير من أهلها منها في أكبر ماساة إنسانية. ولكن هذه المرة يتكرر بشكل آخر إن لم يع الناس والمسؤولين هذا البعد ويتعاملوا معه بتجرد ونكران دون عاطفة أو موالاة لأي متجاوز. بل الأمن الأمن وهذه الثغرة الأولى.
وماذا عن الخدمات؟
ضعف وتدهور الخدمات واضح، فالحرب أعادتنا سنينا للوراء وكان التخريب ممنهجا ومقصودا للبنى التحتية من المنشآت الصحية والماء والمراكز الرئيسية للخدمات والأسواق بكل مدن الولاية. تخيلً معي أن جميع محطات المياه قد توقفت وكذا المستشفيات والمراكز والأسواق وغيرها، وكذا الكهرباء. وكنا نتوقع أن تكون هنالك خطة جاهزة لإستعادة هذه الخدمات وتشغيلها والجميع كانوا يعلمون أن الجزيرة ستتحرر وأن هنالك مشكلات عاجلة تحتاج إلى معالجة بنفس متسارع، ولكن للأسف بدأ العمل غير الممنهج والعشوائي بعد التحرير بدون رؤية، مثله مثل العمل الدكاني، وكأننا في غابة، في حين الحلول المستدامة متاحة وجيدة، ولكن لا يزال موقف الخدمات مبهما ومتراجعًا مع زيادة العودة الطوعية حيث يتوسع الاحتياج. وكان من المتاح معالجة الأمر برؤية لا تتجاهل مطلوبات المرحلة الآنية ولا المعالجة المستقبلية المخطط لها. لابد من حلول مستدامة وهذا وقتها وبإرادة شعبية وسياسية تتكامل لإخراج منتج فاعل. وفي الإطار القومي يمكن تنسيق هذه الأمور مع تكملة النقص محليا إن وجد ومنع الفساد والمحسوبية.
هنالك شح في المياه؟
لابد من حلول جذرية لمشكلات المياه النظيفة ونحن محاطين بمصادر المياه العذبة. تخيل أن هنالك محطات مياه بدأ العمل فيها قبل العام 2013 لسقيا أكثر من ثلاثمائة قرية ومدينة ود مدني ليس بها ماء. والناس يحفرون الأرض بحثا عنها. السؤال هو لماذا يحدث هذا ولمصلحة من؟ لماذا لا نخدم أهلنا وهو متاح. وعموما مسألة الخدمات وبدون تفاصيل أمر محير ظلت تتراجع بسبب سياسة المطافئ ولابد من سد هذه الثغرة وفق رؤية واضحة بمخطط زمني يلبي الاحتياجات وفق رؤية واقعية استراتيجية لتتفرغ الولاية للمشروعات الكبرى.
وماهي الثغرة الثالثة؟
الثغرة الثالثة هي الطرق والكباري التي تأثرت أيضا وتحتاج لمعالجة عاجلة، إضافة لخطة استراتيجية توسع هذه الطرق بإضاءة لها، مع إنشاء كباري ومراجعة خريطة الولاية بعيدا عن المحاصصات والمناطقية لتربط مناطق الإنتاج والسكن بالمدن والأسواق الرئيسية وتجعل من حركة الإنتاج وترحيل المنتجات أمراً سهلا ومريحا مع التنسيق مع الولايات الأخرى والمركز لتأهيل الطرق القومية.
يصحب ذلك تنظيم الأسواق لأنه نشأت مع الحرب أسواق عشوائية، واختلطت أسواق دقلو مع أخرى وتغيرت المواقع ولذلك لابد من تخطيط حضري وريفي لأجل تنظيم هذه الأسواق وضبطها. كذلك مسألة إعادة الإعمار للبنى التحتية لكن بعد تقييم البنى القديمة أولاً وجدواها وبعده يتم إما اعادة الإعمار أو بناء جديد.
في ظل معاناة ولاية الجزيرة .. ما هو العلاج الناجع؟
التكلفة الإنسانية في الجزيرة كانت كبيرة وكنا نتوقع أن يجعل ذلك احساس الدولة وحكومة الولاية قبلها في درجة عالية من القابلية والاهتمام للتصدي لهذه الأوضاع المأساوية، والتي تركت كل الحسابات وعجز الجميع عن وصف هذه الخسارة الكبيرة في سكان الجزيرة وممتلكاتهم. وبالطبع حتى الآن لا نرى رؤية للتصدي لذلك والتعامل معه. لابد من رؤية واضحة لمواجهة منع تطور هذه الخسارة وإيقاف حالة التدهور في الوضع الإنساني سواء بالمواساة أو جبر الضرر وفق أسس واقعية يشترك فيها المجتمع والحكومة.
في اعتقادي انه من الممكن انجاز الكثير ولكن هنالك حلقة مفقودة.
ما هي رؤيتكم لمعالجة آثار الحرب في الولاية؟
أولاً عمل مسح ميداني عاجل ونمائي لتحديد الاحتياجات وأولوية الاحتياج لكل المجالات عبر اتيان متخصصة تجمع معلوماتها وتقترح الحلول. والعمل على تشغيل المنشآت الصحية والتعبئة وتحريك المجتمع بتقوية المؤسسة الإعلامية بالجزيرة
لتقويم السلوك. وعمل مصالحات مجتمعية
مع مختلف الفئات والكيانات وتوحيد الجبهة الداخلية
التعامل مع النقابات والمؤسسات. كذلك لابد من الاستفادة من الإعلام وتوظيفه لمعالجة الآثار النفسية لاحتلال قوات الدعم السريع المتمردة للولاية والاهتمام بالجرحى والمصابين والشهداء وأسر الأسرى، مع محاسبة جادة وفاعلة وموقوتة للمتعاونين مع التمرد والشفشافة بإعمال القانون وقوة الأجهزة. ولذلك لابد من النظر بعمق إلى خريطة الولاية وواقعها اليوم دون أي تأخر ومواجهة جميع المشكلات بقوة خاصة المناطق التي تأثرت بالهجمات والاستهداف. وفي النهاية الآن الموقف يزداد تعقيدا في ظل التأخير في خدمات الكهرباء وصيانة الطرق وبسط هيبة الدولة.
كيف لولاية بحجم الجزيرة بمشروعها الضخم هذا وتنعدم فيها مشاريع التنمية؟
مشروع الجزيرة ظل متنازعا لفترة طويلة وأثر ذلك على السيطرة عليه وإدارته، إضافة لتراكم مشكلات حقيقية سببها الفساد وسيطرة اللوبيهات ومراكز القوة على إدارته وهذا لن تتم معالجته إلا بقيادة حكومية ذات إرادة تواجه المشكلات والتعقيدات وتستخدم الخبراء والمهرة في التعامل مع المشروع ووضع الحلول اللازمة وإعادة بناءه على أسس منطقية ومنهجية تؤسّس لاستعادته بصورة فاعلة. أما انعدام التنمية فهذا يأتي من ضعف السيطرة على المشروع وبالتالي ضعف الواردات المالية وهذا يحتاج إلى وقفة.
الملفات الأمنية وانتشار السلاح بالولاية؟
تبقى هذه القضايا حاضرة وبقوة في ظل ضعف الإجراءات والتعامل مع المتعاونين
وإلحركات وغيرها.
وهنا نقول بأن الحرب قامت وتم طرد العدو المغتصب شر طردة بجهود القوات المسلحة ومن ساندها من أبناء الجزيرة الأقوياء. بل الآن يخوضون المعارك في ولايات كردفان دون كلل أو ملل، ولكن الأوضاع المحلية وبسط الأمن ليس بالصورة المطلوبة ولا يتماشى مع حجم الخطر الذي كان ماثلا ولابد من عمل منظم ومرتب ومحسوب للتعامل مع قضية الأمن بالولاية. فلا يمكن استبدال عدو بآخر متخفي أو متعاون أو بآخرين بنفس الطباع والطغيان. لابد من أن يكون مفهوما أن ما تم من طرد للعدو يمكن أن يتم لأي متمرد آخر يحاول أن يجعل من الولاية ثكنة عسكرية أو محل لإنفلات الأمن وتجاوز الحدود. وهذا الدور يتبناه ويرعاه ويقف على تنفيذه الوالي باعتباره رئيس لجنة الأمن، خاصة وأن ولاية الجزيرة إذا انفلت أمنها تهدد ستة ولايات أو سبعة منها العاصمة. وقد رأى الناس بأم أعينهم ماذا حدث بعد سقوط مدني. أقول وبكل وضوح أنه لابد من استتباب الأمن وفرض هيبة الدولة واستعادة الخدمات ولابد للمواطن أن يشعر بالأمن والطمأنينة حتى يعود إلى دياره الأصلية آمنا مطمئنا وأن يتم التنسيق مع الولايات المجاورة لأجل ذلك. أما بخصوص التواجد لأي قوات فإن استخدام الدولة للوعي ومنع السلاح داخل المدن والأسواق لهو أمر لا تراجع عنه ولا أرى أن أحدا حتى الحركات يمتنع عن التقيد بذلك. فقط نحتاج لإرادة سياسية من حكومة الولاية لإنفاذ ذلك. أما انتشار السلاح فهو نتاج طبيعي لما كان يحدث في الولاية ولابد من التعامل معه بمسؤولية وتقنين وجوده أو حمله بواسطة لجنة الأمن ولأغراض حفظ الأمن ضمن خطة الولاية والأجهزة الأمنية المحسوبة. ويمكن تخصيص قوات خاصة بحفظ الأمن من المقاومة الشعبية بقيادة ضباط وضباط صف من الأجهزة وبمواصفات وتنسيق عالي بعد تدريبهم على أعمال الأمن الداخلي وبذلك ينتهي أي دور لأي قوة أخرى بعد تمييزهم. وهذا أمر في غاية الأهمية.
توحيد الجبهة الداخلية بالولاية حتى تتجاوز الولاية التشظي ويذهب الجميع إلى التنمية؟
في ولاية الجزيرة أصبح هذا الأمر ضرورة وطنية ملحة وعاجلة فلا بد أن يتجاوز الجميع حالة التكتلات والمناطقية والمجموعات وغيرها ويتجهوا نحو توحيد قبلتهم نحو النكبة ومعالجة آثار الحرب وتوحيد الجهود للإعمار وإعادة الإعمار. نعم علينا أن نتعلم من الدرس. بالله يا أخي أين نحن الآن .. لا مطار، لا طرق، ولا أسواق ولا خدمات ماء أو صحة أو تعليم. كل البنى التحتية أصابها ما أصابها.