هذه الأرض غالية مادام يعقوب يستشهدُ في سبيلها

كتب: محرر ألوان

قال الشاهد:
كانت الدنيا دائماً تجري وتلهث وتبحث عن الدكتور يعقوب محمد المصطفى، إبن الإسلام وإبن السودان، وإبن أمدرمان، وإبن السادة الجموعية، وإبن قرية السليمانية الفياضة بالخير والرجال.
نعم كانت الدنيا تجري وتلهث وتبحث عن يعقوب، وكان هو يهرب منها ويبحث عن الآخرة ولقاء المصطفى ومقامات الفراديس العُلى.
ترك يعقوب الشاب المتطلع شركته الخاصة ورأس مالها يقارب 10 مليون دولار، وترك منصات الصيت والمحاضرة في بكين بالصين، فقد كان عالماً لا يشق له غبار في البحث والعلم والإجتهاد، في مباحث الدين والدنيا.
أخلى بيته الباذخ في أمدرمان وتصدق به تكية وملاذاً للجوعى من المحاربين والمصابين، واستراحة للمجهدين والمجاهدين ومخزناً للسلاح ومركز انطلاق نحو النصر والشهادة.
الشهيد يعقوب من الذين فتحوا الطريق من كرري للسلاح الطبي والمهندسين، كما أنه خاض في جسارة مع رفاق دربه معركة تحرير حي الدوحة وعلى رُبى أمدرمان وترابها الطاهر فاضت روحه المباركة، وقد علت وجهه ابتسامة وضيئة أعيت رصاص العصابة المجرمة أن تنال منها أو تخفيها، وبقي اِفْتر ثَغْره محلقاً ذلك النضاح بالدعاء والقرآن.
ومن المشهود والمشهور والمتداول أن أسرة دكتور يعقوب هي أسرة مازالت تضج بالشهداء والمقاتلين والجرحى والأسرى، ورغم هذه الجراح والتضحيات إلا أن قافلتهم مازالت تتدافع صوب بيادر الأمجاد وأودية العزة والشرف والشهادة.
عاد أخوته ورفاق دره من بيت العزاء المهيب وعاد المنتظرون لذلك المقام ومن منزل الأٍسرة الرحب المفتوح وهم يرددون قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا).
ومما وثقه أهل الإعلام تعبير أحد أهل الذوق والرقائق والأدب وهو يبكي في حرقة حين غادر السليمانية مردداً أبيات المفصح الحكيم:
إِنّي لَأَجبُنُ مِن فِراقِ أَحِبَّتي
وَتُحِسُّ نَفسي بِالحِمامِ فَأَشجَعُ
وَيَزيدُني غَضَبُ الأَعادي قَسوَةً
وَيُلِمُّ بي عَتبُ الصَديقِ فَأَجزَعُ
تَصفو الحَياةُ لِجاهِلٍ أَو غافِلٍ
عَمّا مَضى فيها وَما يُتَوَقَّعُ
وَلِمَن يُغالِطُ في الحَقائِقِ نَفسَهُ
وَيَسومُها طَلَبَ المُحالِ فَتَطمَعُ
ومن بين الصفوف المتدافعة صاحت إحدي العفيفات من بنات الجموعية بصوت مترع بالرضى وبدمع مدرار: (الآن سيدرك أهل السودان أن هذه بلاد غالية، مادام الشهيد الدكتور يعقوب قد قدم نفسه في سبيلها وسبيل شعبها وركل الدنيا غير هياب).