الغناء بالفصحي في المغنى السوداني

الغناء بالفصحي في المغنى السوداني
بقلم: أمير أحمد حمد
الغناء في السودان قديم بمختلف أشكاله وبمختلف البيئة التي خرج منها وتعبر عن عاداتها وتقاليدها وتعكس كل ما يدور فيها. المجتمع السوداني ذو ثقافات متعددة وبالتالي تعددت أنواع الغناء فيه ولكن حينما ظهرت أغنية أمدرمان أو ما تسمى حقيبة الفن والتي يورخ لها الباحثون بعام ١٩١٩ وانتهت تقريبا بوفاة عمالقتها الثلاثي محمد أحمد سرور وكرومة والأمين برهان وذلك في بداية النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي حيث كانت وفاتهم متتالية حيث توفوا خلال الفترة من عام ١٩٤٥ الى عام ١٩٤٧م.
وأغنية امدرمان كما أشرنا كانت موحدة لكل الكيانات السودانية فدخلت الى جميع أفراد الشعب السوداني العربي منهم والعجمي
وإذا عدنا الى موضوع المقال الأساسي وهو الغناء الفصيح فنجد في فترة حقيبة الفن لم يكن للأغنية الفصيحة وجود يذكر رغم أن معظم نصوصها تحتوي على مفردات عربية فصيحة وتأثر بعض شعرائها بمفردات وصور وردت في القرآن الكريم فقط إذا استثنينا الشاعر خليل فرح حينما انشد بالفصحي قصيدة الشاعر الجاهلي عمر بن أبي ربيعة وهي قصيدة اعبدة والتي يقول فيها:
أَعَبدَةُ ما يَنسى مَوَدَّتَكِ القَلبُ
وَلا هُوَ يُسليهِ رَخاءٌ وَلا كَربُ
وَلا قَولُ واشٍ كاشِحٍ ذي عَداوَةٍ
وَلا بُعدُ دارٍ إِن نَأَيتِ وَلا قُربُ
وَما ذاكِ مِن نُعمى لَدَيكِ أَصابَها
وَلَكِنَّ حُبّاً ما يُقارِبُهُ حُبُّ
فَإِن تَقبَلي يا عَبدَ تَوبَةَ تائِبٍ
يَتُب ثُمَّ لا يُوجَد لَهُ أَبَداً ذَنبُ
أَذِلُّ لَكُم يا عَبدَ فيما هَويتُمُ
وَإِنّي إِذا ما رامَني غَيرَكُم صَعبُ
وَأَعذُلُ نَفسي في الهَوى فَتَعُقَّني
وَيَأصِرُني قَلبٌ بِكُم كَلِفٌ صَبُّ
وَفي الصَبرِ عَمَّن لا يُواتيكَ راحَةٌ
وَلَكِنَّهُ لا صَبرَ عِندي وَلا لُبُّ
وَعَبدَةُ بَيضاءُ المَحاجِرِ طَفلَةٌ
مُنَعَّمَةٌ تُصبى الحَليمَ وَلا تَصبو
وهي قصيدة طويلة
وربما أنشد غيرها من القصائد فخليل يعتبر رائد هذا الغناء الفصيح في السودان بانشاده لتلك القصيدة ويعتبر كذلك رائد الرمزية فيه. وتبعه في ذلك في تلك الحقبة الفنان فضل المولى زنقار حينما تغنى بقصيدة الياس فرحات عروس الروض والتي تغنى بها عدد كبير من مطربي الفترة الوترية أمثال أبو داود وصلاح محمد عيسى وغيرهم
يا عروس الروض يا ذات الجناح يا حمامة
سافري مصحوبة عند الصباح بالسلامة
وأحملي شوقَ فؤادٍ ذي جراح وهُيامه
أسرعي من قبل يشتد الهجير بالنّزوح
وأسبحي ما بين أمواج الأثير مثل روحي
فإذا لاح لكِ الروضُ النضير فاستريحي
وقد أعقبها زنقار بكلمات فصيحة لذات الشاعر وهي (حبيبي ياحبيب)
والجدير بالذكر أن زنقار تغنى بهاتين الأغنيتين بصوته الوسط غير المستلف الذي عرف به
ثم جاءت فترة الوتريات وهي الفترة التي اعقبت فترة الحقيبة وقد ظهر فيها عدد من المطربين تغنوا بالفصحي وابدعوا فيها ان كانت كلماتها لشاعر سوداني او لشاعر عربي معاصر او من التراث العربي القديم ان كان جاهليا او امويا او عباسيا او غيره.
وحقيقة التغني بالفصحي يرجع اختياره لذوق الفنان ومدى تذوقه للنص ولذلك قاموا بتلحين النصوص التي تم اختيارها بأنفسهم عدا القليل. وقد كان الغالب الأهم نجاح تلك الأغنيات والمغني السوداني يضج بعدد كبار نجحوا في ذلك وفي مقالنا القادم نكتب عنهم بالتفصيل إن بقي في العمر بقية