
إبراهيم شقلاوي يكتب: زيارة القاهرة .. ماذا وراء قرار التأجيل؟
وجه الحقيقة
إبراهيم شقلاوي
زيارة القاهرة: ماذا وراء قرار التأجيل..؟
في خطوة أثارت تساؤلات الأوساط السياسية والإعلامية، أعلنت مصادر رسمية عن تأجيل زيارة رئيس الوزراء ، كامل إدريس، إلى القاهرة، والتي كانت مقررة أمس الإثنين 4 أغسطس 2025، دون تحديد موعد بديل. ورغم أن السبب المعلن للتأجيل هو “استكمال الترتيبات”، إلا أن قراءة أعمق للسياقات السياسية والإقليمية تكشف عن أبعاد أكثر تعقيدًا قد تقف خلف هذا القرار المفاجئ.
تأتي هذه الزيارة المؤجلة في ظل مرحلة انتقالية دقيقة تمر بها بلادنا ، إذ لم تكتمل بعد ترتيبات حكومة “الأمل” التي يقودها إدريس، رغم الإعلان عن تشكيل مجلس وزراء مكتمل، باستثناء وزارتي البيئة والخارجية – التي يشغلها حاليًا وزير دولة فقط.
وفي هذا السياق، يبدو أن رئيس الوزراء فضّل تأجيل تحركاته الخارجية إلى حين الانتهاء من ترتيب البيت الداخلي، وعقد أول اجتماع رسمي بكامل طاقم حكومته، إلى جانب إتمام إجراءات التسليم والتسلم للوزارات كافة. وإن صحّ ذلك، فهو يشير إلى أن توقيت الزيارة لم يكن مناسبًا من الأساس.
لكن هذا التفسير – رغم وجاهته من زاوية داخلية – لا يفسّر وحده تأجيل زيارة رفيعة المستوى إلى دولة محورية مثل مصر ، خاصة وأنها كانت معلنة ومعدّة مسبقًا، وتضمنت لقاءات مرتقبة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي، إلى جانب بحث ملفات حيوية مثل الأمن الغذائي، والطاقة، والنقل، والمياه، والإعمار.
اللافت في مسار التحضيرات أن القاهرة كانت قد أبدت موافقتها وأكملت الترتيبات الرسمية، ما يعني أن قرار التأجيل لم يكن أحادي الجانب، الأمر الذي يفتح الباب أمام تأويلات سياسية أوسع.
يرى مراقبون أن ترتيب الزيارة تم على الأرجح دون تنسيق كافٍ مع مجلس السيادة، ما يعكس ضعفًا في التنسيق المؤسسي في إدارة ملف العلاقات الخارجية – وهو نهج سبق وارتبط بتجربة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك. ويبدو أن هذا الخلل دفع القيادة السودانية، في هذه المرحلة الدقيقة، إلى تأكيد ضرورة الشراكة المؤسسية فيما يتعلق باتخاذ القرارات الخارجية.
ومن منظور إقليمي، قد يعكس التأجيل تريثًا مصريًا في الانخراط العلني مع حكومة انتقالية لم تتضح بعد ملامحها النهائية، ولا تزال تتلمس طريقها وسط مشهد سوداني شديد الاضطراب سياسيًا وعسكريًا. فمصر المنشغلة بملفات ضاغطة في غزة، وليبيا، والبحر الأحمر، قد تكون فضّلت تأجيل هذا الالتزام الدبلوماسي رفيع المستوى إلى حين استقرار التشكيلة الحكومية في الخرطوم وتبلور مواقفها من القضايا السيادية والإقليمية والدولية.
ولا يمكن في هذا السياق استبعاد تأثيرات الضغوط الإقليمية المتداخلة. فقد تزامن تأجيل الزيارة مع تقارير إعلامية تحدثت عن ضغوط إماراتية على القاهرة بخصوص انخراطها في مشاورات “الرباعية”، والتي أبدت فيها مصر انحيازًا واضحًا للخرطوم – بحسب تقرير بثته قناة الجزيرة في يوليو 2025. حيث يطرح هذا التوقيت تساؤلات بشأن ما إذا كان قرار التأجيل مرتبطًا بتوازنات القاهرة الدقيقة بين دعمها التقليدي للمؤسسة العسكرية السودانية، وسعيها إلى الحفاظ على علاقات مستقرة مع قوى إقليمية أخرى.
ورغم هذه المعطيات، لا يُقرأ تأجيل الزيارة كمؤشر على تراجع العلاقات بين البلدين، بل كتحرك محسوب في إطار تنسيقي مؤقت. فمصر لا تزال من أبرز الداعمين الإقليميين للخرطوم، ولعبت دورًا محوريًا في دعم الموقف السوداني في المحافل الإقليمية و الدولية، لا سيما في ما يخص حماية الجيش السوداني من مشاريع الإقصاء والتفكيك. كما تنظر القاهرة إلى السودان باعتباره عمقًا استراتيجيًا وأمنيًا لا يمكن التفريط فيه.
وفي ضوء تأجيل زيارة القاهرة، تبرز احتمالية أن تكون المملكة العربية السعودية هي الوجهة المقبلة لرئيس الوزراء السوداني، باعتبارها أحد أبرز الداعمين لجهود الإعمار في السودان – كما ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” – إضافة إلى احتفاظها بعلاقات وثيقة مع الفاعلين السياسيين في المرحلة الانتقالية. كما يبدو أن التنسيق مع الرياض في ملفات الإغاثة، والتنمية، والصحة، وإعادة الإعمار، ضروري في هذا التوقيت الحرج.
وبحسب ما نراه في #وجه_الحقيقة، فإن تأجيل زيارة كامل إدريس إلى مصر لا يمكن قراءته كمجرد إجراء فني أو إداري، بل هو قرار يحمل أبعادًا سياسية متعددة. فمن ناحية، يعكس الحاجة لتثبيت أركان حكومة انتقالية ناشئة لم تكتمل بعد اتجاهاتها ولا توازناتها الإقليمية والدولية.
ومن ناحية أخرى، قد يعكس تريثًا مصريًا في التعامل مع مشهد سوداني لم تتضح ملامحه المدنية بعد. وفي كلا الحالتين، يبدو أن العلاقات السودانية–المصرية تمر بمرحلة “إعادة ضبط” مؤقتة، ريثما تتضح معالم المرحلة الجديدة في الخرطوم، وتتبلور الأولويات المشتركة في ضوء التطورات الإقليمية المتسارعة.
دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 5 أغسطس 2025م Shglawi55@gmail.com