إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)

مع إسحق
(روحوا عن القلوب)

كانا يشتهيان طفلًا…
والطفل يولد
والأم تلاحظ أن عيون الطفل لا تتبع وجهها وهي تطل عليه. ولا هو يمسك بالأشياء حين تمدها إليه.. وفي لحظة صاعقة الأم تكتشف أن طفلها أعمى. ومثل زجاجة كان قلبها ينشرخ
…والأم تتابع عيونها الطفل وهو بعد العام الأول يظل جالسًا ووجهه ثابت في اتجاه واحد…
وقطة تموء. والأم تلاحظ أن طفلها أرهف أذنيه للقطة. والأم تقفز فقد وجدت مدخلًا يتواصل به الطفل مع الدنيا…
الأصوات… والأصوات تعني… الموسيقى. والأم تأتي بآلة الكمان وتجلس الطفل في حجرها وأصابعها تقود أصابعه وتعزف
والأم ما كانت تعرف عزفًا لكنها في التخبط تجمع بين نغمتين. ثم ثلاث. والطفل معها يكرر ويحفظ نغمة. نغمتين
بقوس الكمان
والأم تجوس في البيت كل يوم. كل ساعة وعيونها وآذانها عند الطفل وهو يلهج بالنغمات
وأصابعه تقع على نغمة جديدة… وأخرى. وأخرى
والطفل. في جلوسه الطويل يخلق باللمس والنغم يخلق. أُلفة مع الكمان… أُلفة تتمدد
لكن الأم يعصرها أنه لا أحد هناك ليسمع عزف الطفل
والأم تقرر شيئًا
كان الطفل عند سن السادسة قد صنع نغمات تستحق الاستماع إليها
والأم. مثلما كانت تجمع نثار النغمات تنطلق وتجمع الجيران…
ويستمعون… جبرًا للخاطر… ثم يستمعون لأن نغمة هنا وهناك تعجبهم
ولكن… عزلة الطفل ظلالها تعود… والأم تقرر شيئًا
تقرر أن يشترك طفلها في مسابقة ضخمة للعزف…
مسابقة يشترك فيها المحترفون… والأم ودون أن يشعر الطفل بشيء تقوم بتسجيل عزف الطفل وتذهب به إلى إدارة الحفل. ولا يصدقونها. والمرأة تجد أن عدم التصديق هذا هو فرصتها الأعظم التي تجعلهم يقبلون به…. لمجرد إدهاش الناس وليس للمنافسة
والحفل يبدأ. والعازفون يذهلون الحضور الضخم
وجاء دور الطفل
وما يحدث ليس هو ما تتوقعه أنت الآن
ما يحدث هو
الطفل يعزف… ويتلجلج… ويعزف ويستقيم ويعزف. والنغمات تقوده. وينسى الناس ويغرق في العزف. ويعزف… ويعزف… ثم نغمة كاسحة. ثم…. الطفل يتوقف. ويرهف سمعه ينتظر التصفيق
ولا تصفيق…
وصمت بدا وكأنه مثل غبار يهبط في غرفة مغلقة
والطفل وبسيقان ترتجف يتحول ويده ممدودة إلى الأمام وهو يقول
:: أمااه..
والصالة تنفجر… والمسرح ينفجر… والأضواء تنفجر والآلاف يقفون على أرجلهم يصفقون في جنون… في جنون… في ذهول
فالطفل لما كان يعزف كان ينقل الحضور الآلاف من النظرة غير المبالية إلى الانتباه. بعد النغمة الأولى… ثم يصعد بالناس.. ثم يغوص بهم في بحر من السحر. ثم يأخذهم من الشعور بأنفسهم. حتى إذا أرسل النغمة الأخيرة كان الحضور الآلاف يقبضون بأنفاسهم المختطفة. ثم يعودون إلى الشعور بالوجود. ثم يطفون خارجين من بحر النغم. ثم يخرجون إلى الهواء
ثم؟
ثم ينفجرون. في التصفيق المجنون بعد أن أيقظتهم صرخة الطفل..
…….
الفيلم صيني
والإبداع فيه هو أنه في السينما الروائح والمذاقات واللمس أشياء لا تصل إلى المتفرجين. لكن الموسيقى. تصل
وكان على المخرج أن يصنع موسيقى تفعل بالناس ما تفعله موسيقى معجزة
وفعل. ونجح
والفيلم شاهدناه منذ ربع قرن لكنه ما يزال في روحنا
وفي السودان الذي نبنيه سوف نتعاون مع الصين. الصين التي تقود العالم الآن. بالتي هي عديل والتي هي أعوج