الشاعر حميدة أبو عشر .. (غضبك جميل زي بسمتك) …

الشاعر حميدة أبو عشر .. (غضبك جميل زي بسمتك) …

بقلم: أمير أحمد حمد

شاعر من الشعراء الصنائعية الذين صنعوا أمجاد الأغنية السودانية مثله ومثل أقرانه من الشعراء السابقين له واللاحقين له والذين أتوا من بعده. فبعد أن أبدعوا في تجميل الحياة السودانية بما أنتجته أياديهم الطاهرة، عملوا أيضا على تجميل وجدان الشعب السوداني بأعذب الكلمات التي سمت وإرتقت بذوق المستمع السوداني.

 

لا تندهشوا إن ذكرت لكم أن شاعرنا حميدة أحمد عثمان الشهير ب (حميدة أبوعشر) هو ذلكم الشاعر الذي ساوى بين الغضب والإبتسام. بالله عليكم كيف يتساوى الغضب والإبتسام في وجه واحد، وسوف تتمتعوا بهذه الدهشة كما تمتع بها الدوش في الحزن القديم، عندما تستمعوا للحاج عبد الحميد يوسف وهو يصدح برائعة شاعرنا:

غضبك جميل زي بسمتك وعلى كل حال شكلك بديع وغضبك جميل زي بسمتك

هذه الاغنية حينما صدح بها مغنيها تفاعل معها كل الشعب السوداني فأصبحت على لسان كل الشباب والكهول في ذلك الزمن الجميل. فكانت مصدرا لمغازلة الحسناوات حينما تبدي الحسناء تبرما من المغازلة، فيكون غضبها جميل كبسمتها بالنسبة له.
كتبها الشاعر في فتاة من الأقباط الذين كان جمال نسائهم مصدر إلهام للشعراء، فكان الشاعر يجلس في مقهى جورج مشرقي في أمدرمان، فرمق في جلسته تلك القبطية فأحست بنظراته إليها، فتبرمت من تلك النظرات وأبدت غضبها، فكانت غضبك جميل زي بسمتك تختلج في داخل نفس الشاعر فكانت فتحا جميلا في جدران ووجدان الشعب السوداني.
حميدة لم يكتب من الغناء إلا قليلا، ولكنه كان جميلا فكتب لمكتبة الأغنية السودانية سبع أغنيات فقط منها الأغنية أعلاه وأغنية وداعا روضتي الغناء لصديقه الكاشف، وأغنية محبوبي لاقاني ببسمة حياني، وتغنى بها حسن عطية وحسن سليمان الهاوي وهو الذي قام بتلحينها، وكذلك أغنية ظلموني الأحبة في شرع المحبة للأسطورة عثمان حسين وأغنية رمز الضياء والتي تغنى بها أيضا عبد الحميد يوسف أغنية الحجل بالرجل والتي ينسبها الكثيرون للشاعر عبد المنعم عبد الحي، وأخيرا أغنية يامفتني ماضراك لو أنصفتني، لحنها وغناها الفنان حسن سليمان الهاوي ولكنها قليلة البث.
والملاحظ في أغنيات حميدة أبو عشر أنه أكثر من المفردات التي ارتبطت بالأديان والمعتقدات السماوية فنجده مثلا في أغنية وداعا روضتي الغناء وداعا معبدي القدسي. ذكر المعبد والقداسة وهذه موجودة في الأديان الأخرى غير الإسلام، وهنالك ذكر آخر للمعبد والمزمار في أغنية رمز الضياء عندما قال في المقطع التالي:

رمز الضياء أنت الحياة
محبوبي يا كل الجمال
رمز الضياء
يا سمي البدور معنى ووصفه
وروح النسيم رقة وصفا
أنا في معبد هواك
رتلت مزمار الوفا
شاهدت آيات مدهشات
عجز الخيال أن يوصفا
وكذلك نجده في نفس الأغنية قد أورد كلمة دهاقا التي ذكرت في إحدى سور القرآن الكريم، وهي لم ترد كثيرا في الكلام العام، فقد قال:

يا من سميت في المستوى
أرحم عذاب قلبي الهوى
من ما هواك في مهالك
الأهوال هوى
وشرب العذاب كاسات
دهاق حتى ارتوى

وكذلك في أغنية محبوبي لاقاني التي تغنى بها حسن عطية ومن ألحان حسن سليمان الهاوي عندما ذكر في لقائه بالمحبوب فقال: كبرت سبحت هللت بي حياتو. وكذلك ذكر كلمة (الشرع) في ظلموني الأحبة في شرع المحبة. ترى ما هي حكاية شاعرنا مع هذه المفردات الدينية التي غزت شعره؟.
ونورد في هذه المساحة إحدى أشهر أغنياته وهي:

محبوبي لاقاني
وبي بسمة حياني
جذب الفكر حسنه جهر العيون نوره
وبعد اشتياقي طال فاجأني بي ظهوره
شخصت في حسنه وأصبحت مسحوره
سبحت كبرت هللت بي حياتو
بي كل إحساسي رديت تحياتو
شكيتلو آلامي آمالي وإحساسي
بادلتو بشعوري ملء الحياة شعورو
خلاني في ناري بين وجنتيه بحورو
من العيون خوفي آمالي في ظهورو
زي الصباح مشرق زي الزهور باسم
زي اللهيب محرق وبي عواطفي بادرتو
بي دموعي جاوبتو وشكيتلو من هجري
ظلم الهوى وجورو

 

هذه ملامح ووقفات في شعر الشاعر المبدع حميدة أحمد عثمان أبوعشر المدينة التي شهدت مسقط رأسه في العام 1931م.
نسال الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يدخله فسيح جناته.