كمال حامد يكتب: (نقاط فوق الحروف) تحت التراب

مهلًا وأهلًا أيها الموت (65)

(نقاط فوق الحروف) تحت التراب

بقلم: كمال حامد

+ مات (كمال طه) وشيعه الآلاف وبكاه الملايين وحزنت نقاطه التي كان يضعها تحت حروفه (نقاط فوق الحروف) عموده الشهير منذ ستين عامًا في صحف ومجلات العصر الذهبي للسودان عقب الاستقلال وإنتقل به للإمارات وبعض الصحف الخليجية.
+ (كمال طه) بدأ الكتابة باكرًا وهو طالب ثانوي ببحري وطالب بجامعة القاهرة فرع الخرطوم وأتذكر له صحيفة الثورة ثم مجلة الرياضة والأيام وكان صاحب مبادرات، يكلف بأبرز المشروعات الجديدة، يجعل منها واقعًا وفي ذهني مشروع توتوكورة ثم مشروع سندات الإدخار البريدية اللذين تولى مسؤوليتهما الترويجية وكانت مدارس لها خريجوها المنتشرون داخل وخارج البلاد.
+ عرفته كقارئ ملتزم بحروفه وعرفته ضمن الوفود الإعلامية الخليجية منتصف السبعينات وأذهلني حب المسؤولين له والإكثار من ذكره والإشادة بشجاعته.
+ كمال طه فتح باب الإغتراب للصحفيين السودانيين بالإمارات حتى بلغ عددهم الأكبر لما تقدمه الدولة للإعلام والسماح لهم بتولي المسؤولية القيادية ولم يخذله أخوتنا ومعظمهم لا يزال هناك مرفوعي الرأس بسيرة عميدهم (كمال طه) الذي أقعده المرض منذ سنوات وتولى سلفه العمادة الأخوة صديق عباس، أبوسوار، أولاد عطا، أسامة خلف الله، السندي، سيد علي، أولاد بيرم ودكتور مزمل أبوالقاسم وإلى آخر العنقود وليد الجابري، ياسر قاسم، طلحة عبد الله وعلي سيد أحمد القائمة تعجز عنها الذاكرة السبعينية.
+ أظن البداية كانت لمجلة النصر الرياضي أول مطبوعة رياضية للأندية ثم كانت مسيرته في صحيفة الخليج وبعدها أخبار العرب وبينهما البيان، كانت كل صحيفة تسعى لعموده (نقاط فوق الحروف) الذي كان في كل مرة يثير القضايا ويترك الآخرين التعليق والمتابعة.
+ مرة جاءه إحساس بأنني أعاني من الكثير من المناكفات والحرب بعد عودتي للسودان، ونصحني بأن لا أجامل و(أتمسكن) وأتصدى بقوة والرد على كل متطاول حتى صرت مضرب المثل وكان ذلك إحدى دروس (كمال طه)، وعلمت بأن هذا كان ديدنه المواجهة لما يلاقيه من حرب شرسة تعرض لها من أهل الجنسيات الأخرى وبعض أولاد البلد وكلها انتهت إلى احترام ومحبة ووصلتني العديد من عبارات العزاء من معظم أهل الرياضة في الإمارات وأتمنى لو ينجح الزملاء في جمعها وتوثيقها للأجيال.
+ كتب أجمل الحروف عدد من الصحفيين الخليجيين منهم الأخوة أحمد الجوكر، سالم الحبسي، سعيد النعيمي، عبد المحسن الدوسري، سعيد حارب، وحسام حاتم وقنوات الإمارات الرياضية والقطرية وهذا ما وصلني وأنا مقتنع أنه لن يغيب أحد عن الكتابة وأحرص على إرسال كل ما يوصلني لأبنائه فتح وياسر اللذين أتواصل معهما.
+ بسبب الاسم المشترك كنت أجد كثيرين يخلطون إسمي بأسمه وأفخر بذلك ومرة وصلتني دعوة من رابطة الصحافة العربية بمصر للتكريم في دورة الألعاب العربية ٢٠٠٢ م وأبلغني الأخ كمال طه بتلقي نفس الدعوة وظننت أن في الأمر إلتباس إلى أن اتصل بي رئيس الرابطة الأستاذ عصام عبد المنعم يستعجل حضوري وحضور كمال طه وليس في الأمر إلتباس.
+ أما الإلتباس الأخير فقد كان في النعي الذي نشره النادي السوداني بالعين ينعيني وينشر صورتي، قبل أن يصححهم صديقنا ابن عطبرة عثمان الحسين بعد أن اتصل بي وغيره اتصل بي ومنهم من تلعثم بعد أن سمع صوتي حيًا أرزق لأن في العمر بقية.
+ كنا مجموعة من الاعلاميين في تغطية احدى دورات الخليج ومساء نسمر وورد ذكر الرئيس المرحوم نميري في نقاشاتنا كسودانيين وتدخل أحد الزملاء الفلسطينيين مهاجمًا نميري، فأوقف كمال طه المجلس مهاجمًا إياه بشدة. دافع الرجل لأنه سمع بعضنا يهاجم نميري ومنهم كمال طه الذي قال بحدة أهاجمه كسوداني ولكن لا أقبل لغيرنا أن يتعرض له. وأضاف بأنني لست من أنصاره. قال الفلسطيني لكنه أضر بقضيتنا بسماحه هجرة اليهود الفلاشا، واصل (كمال طه) أنا أكثر مناصرة لفلسطين منكم جميعًا. وهنا تدخلت لأبلغ الأخ بأن كمال طه له ثلاثة أبناء أسماهم فتح وعمار وياسر، فهل منكم من أحب فلسطين أكثر منه؟.
+ كمال طه عاد للسودان وأصدر صحيفة المشاهير الرياضية ولكنه أوقفها بعد شهور معلقًا بأن الجو خانق ولا يقدر على مجاراة صحف الهلال والمريخ رغم مريخيته وبقي لفترة بمنزله في كافوري ثم بضغوط من أبنائه عاد للإمارات بعد رحيل زوجته وبداية معاناته النفسية والصحية.
+ كنت أحرص على زيارته بالشارقة وأحس بالراحة وارتياحه وسط الأسرة وضحكته لأحاديث الذكريات والطرائف، وكان في كل مرة يحملنا مساعدات ودعم لبعض الأصدقاء المقربين من الزملاء ولكن قبل ثلاث سنوات تقريبًا أبلغت ابنه فتح بوصولي الإمارات وزيارتي لوالده. أحبطني وهو يتلعثم، ليتك تؤجل الزيارة هذه المرة لأن الوالد ليس بخير وتسوء حالته حين يرى أصدقاءه المقربين، وكتبت الاسبوع الماضي في هذه المساحة للدعوات لكمال طه ولكن تصلنا المعلومات المزعجة حتى أبلغني لحظة رحيله الزميل أسامة خلف الله بالخبر الحزين.
+ أؤكد فقد (كمال طه) فقد حقيقي للصداقة وللمهنة والعمل الجاد وللسمعة الحسنة، والرأي والقلم المرفوع، وأحس الآن بالحزن الذي أصاب أهله في الشمالية دنقلا وجزيرة مقاصر. وبحري، وفي كل دور الصحف والمطابع وكأنها تزرف الحبر دموعًا على (كمال طه).
+ نسأل الله الصبر لأسرته الصغيرة والكبيرة ولتلاميذه المنتشرين ولكل عشاق النقد الهادف البعيد عن الغرض الذي وصفه رحمه الله بالجو الخانق.
+ إلهي هذا عبدك (كمال طه) أتاك نظيفًا صابرًا على المرض، إلهي أكرم نزله، وأسعده بما قدم وبما سيتواصل من عمل له لن ينقطع لأن له الولد الصالح الذي يدعو له وله العلم النافع وله الكثير من الصدقات التي أعرفها ولا يتحدث عنها.
إنا لله وإنا إليه راجعون.