الفنان محمد مسكين .. صوت دافئ (من أرض المحنة)

بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ
بمدينة ود مدني وفي نهاية الثلاثينيات ولد الفنان محمد مسكين، فكان أحد نجومها الزواهر فنا ونغما. فمنذ العاشرة من عمره تعلق بالغناء وظل أسيرا له، وذلك بالمدارس التي درس فيها. وفي العام 1962 كانت انطلاقته فظل مع رفاق دربه الفنان رمضان زائد ومجموعة من العازفين يشكلون فرقة موسيقية عبقت ليالي مدني وكانت كنقطة تجمع لهم كذلك للانطلاق في كل السودان برحلات فنية بكل من الأبيض وكوستي وجوبا ونيالا.
سطع نجم محمد مسكين على مستوى السودان مطلع الستينيات حين سجلت له الإذاعة السودانية العديد من الأغنيات الجميلة كانت من بينها الأغنية الرائعة من أرض المحنة والتي صاغ كلماتها رفيق الصبا والأخ غير الشقيق مهندس الكلمة الأستاذ فضل الله محمد، وهذه الأغنية تعتبر أولى أغنيات فضل الله محمد. هذه الأغنية حققت نجاحاً منقطع النظير واشتهرت بين الناس بشكل كبير وذلك لبساطة كلماتها واللحن جاء منسجماً بشكل كبير مع الكلمات، فصارت أنشودة جميلة يتغنى بها الجميع خاصة أنها عن ود مدني. طبعاً ساعد في هذا الرواج الكبير للأغنية صوت الفنان محمد مسكين الدافئ الجميل. فألحانه دائماً بسيطة ونغماتها جميلة وسهلة ومحببة للنفس وصوته فيه حنية ودفء:
من أرض المحنة من قلب الجزيرة
برسل للمسافر أشواقي الكتيرة
قول لي يا حبيبي شن بعمل وراك
هل أحلم وأمل في سرعة لقاك
ولا أسيبا مدني وأجي أسكن حداك
قول لي يا حبيبي أنا أنا حيران معاك
يا مسافر حليلك يا حليل ابتسامك
يا حليل الليالي الحلوات في غرامك
زمان بالإشارة كنت ترد سلامك
بداية محمد مسكين الفنية كانت تقليدية كغيره من الفنانين بترديد أغنيات الغير فى الفريق، ويقال أنه يردد الاغاني بعد الفراغ من لعب الدافوري، كانوا يقيمون جلسات سمر وخلال هذه الجلسات يقدم كل منهم موهبته، فمنهم من كان يغني ومنهم من كان يقوم بإلقاء الشعر. وعندما لاحظ أصدقائه قوة صوته وشعروا بأنه يمكن أن يتقدم فى هذا المجال شجعوه ووقفوا معه إلى أن أصبح فنانا. والبداية الحقيقية كما ذكرنا كانت في العام 1960م أي بعد عام من ظهوره. بدأ بإنتاج أعمال خاصة به حيث كانت الساحة الفنية مليئة بالفنانين الكبار أمثال عثمان حسين، سيد خليفة ومحمد وردي. فكان سلاحه الصبر وطول البال والإستفادة من تجارب الآخرين والتعامل مع كبار الشعراء.
تأثر محمد مسكين بالفنان الرائع (إبراهيم عوض) أحب طريقته في الأداء، وردد أعماله واستفاد من تجربته. فإبراهيم عوض في ذلك الوقت كان بالنسبة للجميع مفتاح فني وكل من دخل في الوسط الفني دخل عبر أغنيات إبراهيم عوض، فهو بدون شك مدرسة فنية ذات خصوصية. أول الأغنيات التي سجلها كانت في الصيف (ليالي الصيف، وأنا راجع له راجع)، والتسجيل الرسمى للإذاعة في سنة1961م بأغنية المسافر (أرض المحنة).
ذهابه إلى العاصمة كان متأخرا بعد ظهوره بسنوات، ولكن صوته سبقه إلى العاصمة، وفي العام 1962م سجل للإذاعة الكثير من الأعمال خلال برنامج (أغانيك تتحدث) كان يقدمه الأستاذ حسن محمد علي. حيث حضر تيم من الإذاعة لمدينة ودمدني وقام بتسجيل أعماله في استراحة الري بالحي السوداني نسبة لعدم وجود استديوهات إذاعية في ذلك الوقت، هكذا سبقه صوته إلى العاصمة، ولكن ذهابه رسميا إلى العاصمة في العام 1965م فتزوج هناك ثم عاد مرة أخرى إلى أرض الطيبين بمدينة ودمدني.
من دفعته الفنان محمد الأمين وأبو عركي البخيت وثنائي الجزيرة وحسن عجاج حيث التنافس بينهم شريف وكانوا يتسابقون لتقديم الأعمال الجادة والجميلة. وفي نفس الوقت يحتفظون بعلاقات قوية وحميمة، وكانوا يتواصلون فنيا واجتماعيا. يتحاورون ويتشاورون ويستفيدون من تجارب بعضهم البعض، وكانوا كل عام يقدمون أعمالا جديدة وكانت هذه الأعمال دائما تكون أفضل من سابقتها. هكذا كانت الحركة الفنية في ذلك الوقت وتلك الأيام.
شكل محمد مسكين ثنائية مع الأستاذ فضل الله محمد، فهو أخيه من أمه وصديقه. ومن أبرز أغانيه: أرض المحنة، هون عليك، عشان الذكرة، عيدية.
انتقل محمد مسكين في حدائق شتى لشعراء كثر وقطف أجمل أزهار الشعر لشعراء متميزين ومتفردين أمثال: عبد الرحمن ود إبراهيم، السر قدور، محمد يوسف موسى، الصحفي المعروف صالح يعقوب، وإبراهيم الرشيد، ومن أبناء الجزيرة يونس السنوسي وكباشي حسونة.
وللفنان محمد مسكين العديد من الأغاني الجميلة مثل أغنية: (شارع الحب يا أحلى طريق). وأغنيات أخرى نذكر منها: (عاودني الحنين، قصة ريدة، قبال أفوت عينيك، حلوة الدنيا، لو أحبك، مين قساك، وداع الأحباب، يا غائب عن عيني، أديني أمل، عمر الحب، هون عليك.
له إبنة اسمها سوسن وإبن أكبر إسمه أيمن وإبن صغير إسمه أشرف كان كثيرا ما يصطحبه وخاصة لمشاهدة مباريات النادي الأهلي كان عاشقا لفريق سيد الأتيام.
توفي الفنان محمد مسكين لرحمة مولاه في مساء الخميس الخامس من سبتمبر من عام 2002م. له الرحمة والمغفرة والجنة مثواه.