
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (الرسم بالحكايات)
مع إسحق
إسحق أحمد فضل الله
(الرسم بالحكايات)
في تنجانيقا كان المشروع الأول للدولة هو تربية الأبقار للتصدير، ومزارع تقام في أنحاء الدولة… ويوماً ما، قرر الرئيس فجأة زيارة هذه المواقع… وبالفعل هبط في مزرعة منها، فوجد قطيعاً بهيجاً…
ثم انطلق الرئيس إلى المزرعة الثانية… والثالثة…
والمشهد كان هو ذاته…
كان المشهد متطابقاً لدرجة أن الرئيس انتبه إلى أنه رأى البقرة الرائعة هذه في المزرعة الأولى… وفي الثانية… و… و… العاشرة!
واكتشف الرئيس أن الأبقار التي كان يراها في المزرعة الثانية هي ذاتها التي رآها في الأولى… وهي ذاتها التي استعرضت أمامه في الرابعة والخامسة و…
واكتشف أن الموظفين كانوا يثبتون براعة عجيبة في سرعة نقل تلك الأبقار من مزرعة إلى أخرى لاستعراضها أمامه.
…دول كثيرة ما كان يكسر ظهرها إلا أن الخدمة المدنية ظلت تتعامل مع القيادات ومع الشعوب بالأسلوب هذا.
والآن جاء دور السودان.
وما جعل إصلاح الخدمة المدنية مستحيلاً هو أن زحام الخراب كان شيئاً يهدد كل يد تمتد ضده بالبتر…
الآن، كل شيء في السودان يبدأ من الصفر.
والدولة تجد أنها مطلقة الحرية في أن تختار من تختار.
والناس لا تنسى أن لندن كانت أقذر مدينة في الأرض… ثم جاء حريق بلغ من ضخامته أنه صار تاريخاً.
والسلطة هناك وجدت نفسها حرة تماماً في التخطيط والبناء والإدارة.
والسودان أخذ نصيبه من الحريق… وبقيت المرحلة التالية: مرحلة التخطيط.
وزحام هائل، زحام شركات، يحاصر الخرطوم الآن.
(2)
زمار هاملن… أسطورة ألمانية.
وفيها أن الفئران احتلت المدينة حتى أصبحت هي “الشعب”…
والملك عجز.
وعادة ما يظهر هنا هو الساحر.
والساحر جاء، وساوم الملك على جائزة كبيرة إن هو خلّص المدينة من
الفئران.
الساحر نفخ في مزماره… وبعد قليل جاءت دبدبات مثل صوت الرعد من بعيد… وخرجت الدبدبة من تحت الأرض: ملايين الفئران تتبع مزمار الساحر.
والساحر قادها حتى البحر وأغرقها هناك.
لكن… الملك، كعادته، التوى بوعده ورفض إعطاء الجائزة.
فوقف الساحر في ساحة المدينة ونفخ مزماره…
ودبدبات…
ثم؟
ثم لم يبق طفل في المدينة إلا وجاء يجري ويرقص ويتبع المزمار والساحر…
والساحر قاد الأطفال وأغرقهم في البحر.
والسيد كامل إدريس… خدمته المدنية:
إما أن تُغرق الفئران،
وإما أن تقوم جهات معينة ــ جهات المال بالذات ــ بإغراق البلد والمشروعات والحال…
وبأسلوب موظفي تنجانيقا… الأسلوب الذي يقول للدولة: “كل الأمور تمام”.
ومن يطوف الخرطوم الآن، يجد أن عمراناً رائعاً كان يتمدد في العاصمة، وأن الخرطوم كانت تتجه لتصبح مدينة… مدينة أبراج، وعمارات، وأسواق، وحدائق…
الحريق فعل ما فعل… لكن هيكل العمران هذا ما زال باقياً.
اغسلوا الحريق…
ولننطلق.