ناجي القدسي .. عبقري الألحان

ناجي القدسي .. عبقري الألحان
بقلم: أمير أحمد حمد
الأغنية السودانية ذات الأضلاع الثلاثة الكلمات واللحن والمؤدي مرت بعدة مراحل، وأعني بالأغنية السودانية الأغنية التي أتخذ لها الباحثون تاريخا يبدأ بالعام ١٩١٩م، وهي فترة حقيبة الفن وما تلتها من فترة أخرى عرفت بالفترة الوترية والتي استمرت إلى يومنا هذا، ويطلق عليها أيضا المدرسة الحديثة. كان الفنان في فترة الحقيبة يمثل ثلثي الأغنية، حيث يقوم بتأليف اللحن، ويقوم أيضا بأدائه لعدم وجود ملحنين. ولكن مع ظهور الفترة الوترية ظهر بعض من الملحنين الذين تركوا بصمتهم وأثرا كبيرا في التأليف الموسيقي بعد أن كانت الألحان دائرية ومنهم على سبيل المثال برعي محمد دفع الله وعلاء حمزة وسيف عبد القادر وبشير عباس وعبد اللطيف خضر ومن ضمن هؤلاء ذلك الملحن صاحب الخيال الموسيقى الواسع والعبقرية التي ترجمها على الواقع ناجي محمد عبد الله الهيثمي الشهير بالقدسي.
يمني سوداني
جاء ميلاد ناجي القدسي في نهايات أربعينيات القرن العشرين (1944م) ناتج عن مصاهرة جمعت بين جينات يمنية من جهة والده وجينات سودانية من جهة والدته وهذا نتج عنه إبداع ظهر فيه.
وناجي جاء هذا الإسم بعد أن فقد والداه توأمه وكانا ينويان تسمية التوأم بإسم الحسن والحسين. وبعد وفاة توأمه عدلوا عن التسمية فكان أن أطلق عليه ناجي.
الكمبوني بعطبرة
ظهر ميوله وشغفه وحبه للموسيقى منذ أن كان طالبا في الكمبوني بعطبرة مسقط رأسه حيث كانت هنالك غرفة بالمدرسة بعيدة عن حجرات الدراسة مخصصة للموسيقى، فيترك حجرات الدراسة ويصتنت إلى تلك الموسيقى التي تنبعث من تلك الغرفة فتركت فيه بذرة الإبداع والإلهام الموسيقي. ثم انتقل مع أسرته إلى سنار فإلتحق بالمعهد العلمي ومن ثم انتقل إلى الخرطوم حيث كان الإشباع الكبير لهوايته المفضلة وهي الموسيقى فكانت أول أعماله مقطوعة موسيقية (امال) عام ١٩٦١م وهو لم يبلغ العشرين من عمره فسجلت في استديوهات الإذاعة.
جسمي انتحل
بعد ذلك كون ناجي القدسي ثنائية مع الشاعر حسين حمزة ولحن له عدد من الكلمات مثل أغنية جسمي انتحل وضاع مع الأيام وسلوى والصداقة غناها شقيق الشاعر هاشم حمزة وسجلها للإذاعة ولكن لم تشتهر هذه الأغنيات عدا جسمي انتحل نسبة لهجرة مغنيها هاشم حمزة، وانتقلت بقدرة قادر إلى الفنان أبوعركي البخيت فكانت فتحا كبيرا في مسيرته الفنية:
جسمي انتحل كيف العمل
وأنت الطبيب عندك شفاي
لو كنت تبعد في زحل
أو يوم بقيت قمر الزمان
لابد يوم ليك أصل وأشرب براي عسل النحل
وأشرب براي منك دواي
حن ياطبيب وأكشف علي
وريني ماسبب الألم أعطف وأرحم عيني
قالوا الشفاء دونك عدم
شوف الدموع
ماليات عيني شوف الألم وين إنكتم
أنا ياطبيب قلبي إنجرح بس كيف جراحه
أشعار وألحان
أما أغنية ضاع مع الأيام خوفا من ضياع لحنها فقد أستبدل كلماتها بأغنية (مفارق كسلا) من كلمات مرتضى صباحي وهو والد الفنان معتز صباحي وأداها الفنان التاج مكي. ولحسن أدائه لهذا اللحن أردفه ناجي القدسي بأربعة ألحان وهي أغنية النضارة كلمات عز الدين هلالي، والتينة كلمات عبد الرحمن مكاوي وروح بابا وأهل المحبة شعر إسحق الحلنقي. ثم خامسة وطنية الثورة ثورة شعب. كما لحن رائعة الشاعر أحمد شوقي (قم للمعلم) كما لحن للشاعر محمود محمد مدني وهي يا سكة مشاية وأشتاق ليك وزي عيونك أصل مافي، وتراتيل الشيخ فرح.
الساقية لسة مدورة
أجمع النقاد على أن أجمل ألحان ناجي القدسي على الإطلاق هو لحن أغنية الساقية من كلمات الشاعر المسرحي عمر الدوش والتي تغنى بها صداح توتي حمد الريح. هذا اللحن قد صب فيه عبقريته اللحنية لحن ذو انتقالات متعددة معقدة ولكنه ممتع للأذن. وكان هذا اللحن سببا في اعتقاله لأن المتظاهرين في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري خاصة بعد انقلاب هاشم العطا ترجموا موسيقى أحد كوبليهاته إلى ترجمة لفظية (راس نميري مطلب شعبي). وحينما خرج من السجن واجه عزلة فنية كبيرة، فالكثير من الفنانين تحاشوا التغني بألحانه خوفا على أنفسهم من الاعتقال. وتخلى عنه أصدقاؤه ودخل في حالة نفسية وإتجه إلى التصوف وبدأ بتلحين كلمات صوفية معبرا عن ذاته ووحدته التي فرضت عليه فلحن كلمات للمعري وللفيتوري معزوفة درويش متجول وياقوت العرش
وفي عام ١٩٧٦ سافر إلى موطن اجداده اليمن ولم يأت إلى السودان إلا في فترات متفرقة.
وفي أبريل ٢٠١٤م انتقل ناجي القدسي إلى الرفيق الأعلى بمدينة صنعاء أرض أجداده، تاركا أعمالا تتحدث عن عبقريته في الإبداع الموسيقي له الرحمة والمغفرة.