
عصام جعفر يكتب: علي الحاج وموت الفكرة
مسمار جحا
عصام جعفر
علي الحاج وموت الفكرة
رحم الله الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي، الزعيم الكبير والمفكر البارز والسياسي المحنك، الذي أنشأ حزب المؤتمر الشعبي بعد المفاصلة التي وقعت بين الإسلاميين، ولحق به نفر من الإسلاميين وانحازوا للمؤتمر الشعبي الذي أصبح بعد فترة قصيرة الحزب المعارض الأول في الساحة في وجود الأحزاب الكبيرة العتيقة وغيرها من الأحزاب العقائدية والأسرية، حتى قال الناس إن الإسلاميين في السودان أصبحوا يشكلون الحكومة والمعارضة معاً.
بوفاة الترابي ورحيله انكشف حزب المؤتمر الشعبي المعارض، وانكشف حزب المؤتمر الوطني الحاكم أيضاً، الذي كان يبني معظم قراراته ومواقفه رداً على تصريحات الترابي وتوجهاته.
غاب الترابي وخلف من بعده خلف في المؤتمر الشعبي أضاعوا الحزب، واتبعوا “القحاتة” قدماً بقدم، حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلوا خلفهم.
المسافة بين الخلف والسلف في حزب المؤتمر الشعبي بعيدة جداً فكرياً وفقهياً وسياسياً، تُقدّر بملايين السنوات الضوئية، وهكذا ضاعت أمانة التكليف بضعف الهمة وقصور التفكير، فضاع ميراث الشعبي في زمان علي الحاج وكمال عمر ومن معهم الذين اتبعوا السبل وتنكبوا الطريق، وساروا في ركاب “قحت” والمجموعات السياسية العلمانية، ووضعوا يدهم معها في بعض القضايا خاصة المتعلقة بالجيش السوداني، ظناً منهم أنهم يتبعون سياسة الترابي في نظرته للجيش. وهذا هو الخطأ الذي وقعوا فيه، والفهم المغلوط لفكر الترابي، الذي لم يكن يعادي الجيش ويكرهه، ولكنه ضد الاستيلاء على السلطة بواسطة الجيش، في تصحيح لموقف الإنقاذ التي حكمت بقوة الجيش ورفض البعض إعادتها للشعب عن طريق الانتخابات وعودة الحياة المدنية.
الترابي يعرف التعامل مع الراهن بحكمة وعقل، ويأخذ بتلابيب اللحظة السياسية ويعرف مطلوباتها، وهذا ما جهله خلفه علي الحاج وكمال عمر، اللذان سارا عمياً صمّاً بُكْماً خلف “قحت” كالأعمى والعكاز، وانساقا خلف الشائعات التي تنسجها عن الجيش السوداني، حتى في قصة الأسلحة الكيميائية التي أشاعوا زوراً وبهتاناً أن الجيش السوداني استخدمها في الخرطوم. وللأسف خرج علي الحاج رئيس المؤتمر الشعبي معضداً هذه الرواية البائسة في سقوط مدوٍ لعلي الحاج شخصياً، وللمؤتمر الشعبي الذي يبدو أنه مات بعد الشيخ حسن وشبع موتاً في عهد علي الحاج الذي لم يكن خير خلف لخير سلف.