تعذيب وطعام شحيح… تفاصيل الحياة داخل أسوأ معتقلات دارفور

رصد: ألوان
كشف معتقلان سابقان في معتقل دقريس، الواقع على بُعد 20 كيلومترًا جنوب غرب مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، عن أوضاع إنسانية متدهورة يعيشها الآلاف من المحتجزين داخله، ووصفاه بأنه من أسوأ المعتقلات في المنطقة.
وحولت قوات الدعم السريع مدينة الخير الإصلاحية في نيالا إلى معتقل عُرف بـ “دقريس”.
وقال موظف حكومي سابق فضّل الترميز لاسمه بـ”أبو آية” لدواعٍ أمنية لوجوده داخل نيالا، بعد الإفراج عنه، لـ”دارفور24″ إنه قضى نحو شهرين في المعتقل، حيث يتعرض النزلاء لمعاملة قاسية مع انعدام الرعاية الصحية والغذاء والمياه، فضلًا عن منع الزيارات الأسرية.
وأوضح أن عدد المحتجزين يتجاوز ثلاثة آلاف شخص، ويخضعون لإجراءات أمنية مشددة تمنع حتى المزارعين في بلدة دقريس من الاقتراب من محيط المعتقل.
وأضاف: “دخلت المعتقل مطلع يوليو الماضي وخرجت في السادس والعشرين من أغسطس بعد اتهامي بالتواصل مع الحكومة في بورتسودان واستلام مرتبات العاملين. وخلال فترة اعتقالي، شاهدت كل أشكال التعذيب والعنف اللفظي والجسدي، والحرمان من أبسط الحقوق”.
وأشار “أبو آية” إلى أن من أبرز المعتقلين الذين التقاهم داخل السجن الضابط الإداري قسم الله بابكر وعقبة عبد الحميد، إلى جانب آخرين تعرف عليهم تجاوز عددهم 25 شخصًا أُطلق سراحهم بعد تدهور أوضاعهم الصحية.
وكشف عن وجود ضباط كبار من الجيش السوداني نُقلوا من الخرطوم ويقيمون في جناح خاص، إضافة إلى أسرى من القوات المشتركة، وبعض ضباط وأفراد الدعم السريع المتهمين بالتخابر مع الجيش أو بقضايا عسكرية.
طعام شحيح
وروى معتقل آخر أُطلق سراحه في يوليو الماضي تفاصيل اعتقاله في ديسمبر الفائت من سوق موقف الجنينة، حيث اقتاده ثلاثة أشخاص إلى ارتكاز لقوات الدعم السريع شمال سوق التوابل والبصل، بعد أن عثروا في هاتفه على رسائل صوتية لأحد أشقائه يُخبره فيها بقصف الطيران الحربي لمناطق قرب السوق الكبير.
وقال: “اقتادوني إلى أحد المقرات على متن عربة لاندكروزر، بعد أن عصبوا عينيّ، وكانوا أكثر من ستة مسلحين بينهم شخص يُدعى محمد عمر. وبعد وصولنا إلى مقر الشرطة الشعبية شرق المرور، فُكّ قيدي وبدأ التحقيق معي”.
وأوضح أن ظروف الاحتجاز كانت بالغة الصعوبة، إذ كان يُسمح لهم بكوب ماء صباحًا وآخر مساء، إضافة إلى وجبتين فقط من دقيق الذرة بالويكة.
وأضاف: “جرى التحقيق معي وأنا ملقى على الأرض ويداي مقيدتان، من قبل مستشار وعدد من أفراد استخبارات الدعم السريع، وتمت مراجعة هاتفي بدقة وربطه بالإنترنت لمراقبة رسائل الواتساب والماسنجر. وبعد ذلك أُعلنت محاكمتي مع 13 آخرين بموجب قانون الطوارئ باعتبارنا “فلولًا”، وخُيّرت بين دفع 3 ملايين جنيه أو السجن 6 أشهر”.
وأشار إلى أن التحقيق تخلله تعنيف واتهامات بالتخابر مع الجيش ومساعدة الطيران في تحديد الإحداثيات.
وذكر أنه قضى 26 يومًا في معتقل الشرطة الشعبية قبل نقله إلى سجن كوبر جنوب المدينة، حيث بقي أربعة أشهر في ظروف وصفها بأنها الأسوأ: “كانت الزنازين ضيقة، والمياه قليلة، والبرد قارس ليلًا، ودورات المياه في حالة سيئة. المعاملة قاسية من الحراس، والنوم شحيح، وأحيانًا لا تُقدَّم سوى وجبة لحم واحدة مصحوبة بتعنيف لفظي”.
وبيّن أن أسرته سُمِح لها بزيارته مرتين أثناء وجوده في الشرطة الشعبية، بينما كان يُسمح بالزيارة في المعتقل الجديد كل يوم ثلاثاء مقابل دفع 3 آلاف جنيه للتذكرة.
ولفت إلى أن عدد المعتقلين في سجن كوبر تجاوز ألفي شخص في مساحة لا تتسع لأكثر من 750، ما أدى إلى وفيات نتيجة تفشي الكوليرا، حيث توفي خمسة معتقلين، قبل أن يُنقل هو ومجموعة أخرى إلى معتقل دقريس.
وكشف أنه قضى في دقريس 39 يومًا، واصفًا المعتقل بأنه “مدينة مغلقة” تنقسم إلى قسمين شرقي وغربي، يضم كل منهما خمس عمارات من طابقين وعمارة من الزنازين في كل قسم، محاطة بسور يبلغ ارتفاعه ستة أمتار، مع حراسة مشددة وعربات قتالية تزيد عن 50.
وأضاف: “الوضع الصحي متدهور، المراحيض ممتلئة والرائحة كريهة خاصة في الليل. الوجبات تقتصر على الذرة بالويكة، ومياه الشرب تُجلب من قرية دقريس عبر شاحنات، وأحيانًا نضطر للتيمم لأداء الصلاة”.
وأكد أنه التقى معتقلين من ولايات مختلفة بينها الجزيرة والخرطوم ونيالا، لكنه امتنع عن ذكر أسمائهم لدواعٍ أمنية.
وختم بالقول إنه خرج بعد انقضاء مدة عقوبته، حيث نُقل إلى سوق دقريس ثم إلى نيالا ومنها إلى منزله.