الفنان محمود علي الحاج .. مدرسة جديدة في الغناء الشعبي

الفنان محمود علي الحاج .. مدرسة جديدة في الغناء الشعبي

بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ

ولد محمود علي الحاج بمنطقة القدواب بمدينة بربر بولاية نهر النيل في عام 1946م. وإنتقلت الأسرة إلى أم درمان وكان عمره لم يتجاوز العشر سنوات برفقة الأسرة وسكنت الأسرة بحي ودنوباوي جنوب القلعة بحي الشيخ الجعلي. درس محمود علي الحاج بمدرسة ود نوباوي الأولية وبمدرسة أم درمان الأهلية الوسطى. وكان لعمته زينب الحاج الدور الكبير في إكتشاف موهبته الغنائية وهو في السنة الثانية من المرحلة المتوسطة. بعد أن تيقنت من جمال صوته وحلاوته ومقدرته التطريبية العالية.
أول من تنبه لموهبة محمود على الحاج الغنائية من الصحفيين هو الاستاذ الصحفي ميرغني البكري والذي كتب عنه في مجلة هنا أم درمان في عام 1965م، حيث تنبأ له بمستقبل مشرق وواعد. ويعتبر الفنان الكبير محمد أحمد عوض من أهم الفنانين الذين قدموا الدعم والمساندة له في بداياته الفنية حيث كان يسجي له الكثير من النصائح والإرشادات، ويراجع معه بصبر إختيار الكلمات والألحان الجميلة. وتمت إجازة صوته في عام 1966م بأغنيته الأولى التي تم تسجيلها للإذاعة وهي أغنية (لسه صغيرة تبت دابا) وهي من كلمات الشاعر الشاذلي العيدرروس ومن ألحانه:

لسه صغيرة تبت دابا
زي عمر الزهور في شبابا
ديمة أفكاري منشغلابا
ولهان قلبي اتهنابا
أغلى من الدهب جذابة
بس ما لاقي إلا عذابا
بت ناس أصال أنسابا
الذوق والترف وارثابه
قمرة والله لينا جابا
مملكة الجمال فايزابا
مناي أمش أقيف في بابا
بي تعظيم أحي جنابا
بسمة ونظرة فيها اجابة
في عيناها أشوف ترحابا
نتبادل حديث بأدابة
أسكر وأنصرف بي خطابا
روحي وهبتها لي شبابا
تتكرم تقول راضيابا

وفي نفس العام شارك في أول برنامج غنائي بعنوان (من الشاشة إلى المايكرفون) مع الفنان حمد الريح من تقديم الأستاذ محمد خوجلي صالحين، وكان هذا البرنامج يبث في نفس الوقت في الإذاعة والتلفزيون. وفي هذا البرنامج غنى إضافة لأغنيته الأولى، أغنيته الثانية وهي (ليلة كانت ليلة في جنة الفردوس) وهي من كلمات وألحان التوم خميس.
وكانت أول منطقة يغني فيها حفلة خاصة هي ود نوباوي وكانت في منزل الأستاذ الشاعر الفاضل سعد الشيخ.
تأثر محمود علي الحاج بالبيئة الثقافية والفنية الغنية لتلك المنطقة التي أقام فيها سرور في نهاية حي القلعة، وكرومة بحي السيد المكي، ومحمد أحمد عوض ببيت المال، والمبدعين من آل البنا، وكمال ترباس من مكي ود عروسة. وهناك أحد رواد الغناء الشعبي والذي سكن بالقرب من محمود علي الحاج وهو الفنان عوض الكريم عبد الله، والفنان عثمان اليمني الذي إستأجر دكانا لصناعة الملابس بحي القلعة في حقبة الثمانينيات. والفنان الشعبي عبد الله الحاج والذي كان يعمل معلما في مدرسة الركابية الإبتدائية ومن أشهر أغانيه زهرة السوسن ويا عصفورة يا رقاصة. والفنان الشعبي الشيخ شمبات والذي كان لديه علاقات إجتماعية واسعة بحي ود نوباوي جنوب وغنى في الكثير من المناسبات بالحي.
يعتبر الفنان الكبير محمود علي الحاج من الجيل الذي إجتهد للمحافظة على إرث الغناء الشعبي، والذي يمتد لفترة غناء الحقيبة، فهو قد تشرب من أغاني الحقيبة التي أسهمت في تشكيل وجدانه وموهبته منذ بداياته الأولى، وتمكن من خلق لونية خاصة أهلته لأن يصبح من الفنانين البارزين في مجال الغناء الشعبي، وتدرج حتى وصل إلى رئاسة اتحاد فن الغناء الشعبي لعدة دورات مختلفة. وعبر تلك السنين التي عطر فيها ساحة الغناء الشعبي كانت تجربته فريدة ومشواره الفني ضخم حيث تمكن من ان يخلق لنفسة مدرسة فنية جديدة قلدها الكثير من الفنانين الجدد.
كانت زيارة محمود علي الحاج لهولندا وبعض دول غرب أوروبا بغرض زيارة معحبيه وأصدقاؤه بعد طول رغبتهم في تلك البلاد. وهذا يؤكد على الترابط الكبير بينه وبين محبيه ومعجبيه الذين إبتلعتهم المهاجر البعيدة. في هولندا لم يكن في حوجة إطلاقا لعمل بروفات لحفلته العامرة التي أقامها في أمستردام فقد صاحبه كورس متمكن، وذلك بشهادته نفسه. وعند رجوعه للسودان كان يردد كثيرا أنه وجد في هولندا كورس مكتمل وبالإضافة لإحتياطي له.
قام إتحاد فن الغناء الشعبي بالإحتفال باليوبيل الذهبي للقامة محمود علي الحاج في عام 2016م، وذلك تقديرا لمجهوداته الكبيرة في تطوير فن الغناء الشعبي وإسهاماته المتعددة للنهوض به.