
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث مع ما يقترب)
مع إسحق
إسحق أحمد فضل الله
(حديث مع ما يقترب)
لن تجد من هو أكثر حماسًا وثورةً وإخلاصًا وفشلًا من السودانيين في الأعوام المائة الماضية.
وهذا يوجعه تخلف السودان؛ فيغضب ويشتعل ويتجارى… ويكتب قصيدة مثل علي طه أو التجاني أو البنا، بينما أوروبا أيامها كانت تصنع العربة.
وهذا يوجعه التخلف والذل والعجز؛ فيقيم مؤتمرًا لمناقشة ختان البنات، بينما أوروبا أيامها كانت تصنع الطيران.
وهذا يغضب للتخلف؛ فيكتب المقالات، يبكي ويشكو، وأوروبا أيامها كانت تنتج أحدث الأسلحة.
… والرغبة التي تهذّي وتهز كانت تتجاوز عالم المحسوس إلى ما وراءه. والعيدروس يتنبأ بالحرب العالمية، وبانتحار هتلر، وبكثير مما وقع فعلًا.
… والآن، في البحث عن إعادة صناعة السودان، يشتعل الحماس هذا… والناس سوف تنظر وتجد أنه لا حياة إلا للقوة، ولا قوة إلا بالتقدم العلمي الهائل… وتجد أن السودان يحك عجيزته مثل القرد.
والسؤال عن الحل، وعما يستطيع الناس فعله في الحال المؤيس هذا، السؤال كان يناقشه المفكر سيد قطب. قال:
(العالم اليوم يضع العلم والتصنيع في كف، ويضع الإسلام في كف، ويقول للمسلم أن يختار… والصورة المشوّهة تجعل المسلم يفهم أنه يستحيل عليه أن يجمع بين الاثنين… وهذه معادلة مخادعة…).
والأحداث ما بين حرب أفغانستان وحرب السودان تكشف أن المعادلة هذه كاذبة وفاجرة. فأفغانستان، لما انطلق الاتحاد السوفيتي يدمرها، كان الظن أن الطائرات السوفيتية سوف تمسح البيوت الطينية في ساعتين… وخلاص.
لكن الأفغان يلغون الأسلحة السوفيتية المذهلة، ويهزمون أضخم إمبراطورية… الحقيقة التي تُلغي المعادلة أعلاه.
وبعضهم سوف يلطم حديثنا بقوله: إن السلاح الأمريكي هو الذي هزم الاتحاد السوفيتي.
والجواب هو: لماذا لم ينتصر السلاح المذهل الآن… الآن… الآن… في أيدي الدعم السريع؟
… هناك إذن ضلع/شاطئ ثالث لمعادلة هذا النهر.
والشاطئ الثالث هذا هو ما تكتشفه العبقرية السودانية… العبقرية التي تعرف الآن أن صناعة السودان القادم ليست في الشعر، ولا في الموج البشري الذي يُقاد من أذنيه (مثلما فعلت قحت)، ولا تقوم بصِغار المكايدات.
كامل إدريس هو أول رئيس وزراء لا يجد كلابًا تعضّ عراقيبه.
كل ما يرجوه الناس هو ألا يقدّم حكومته عند النفخ في الصور.