عبد الله النجيب .. (عيونك كانوا في عيوني) …

عبد الله النجيب .. (عيونك كانوا في عيوني) …
بقلم: أمير أحمد حمد
وُلد عبد الله أحمد عبد الرحيم عوض الملقب بعبد الله النجيب بمدينة أم درمان في العام 1931م ونشأ ما بين حى ود دُرو وود البنا. والنجيب تلك هي لقب لوالده. وتلقى النجيب تعليمه الأول بالخلوة ثم الأوسط بمعهد أم درمان العلمي ثم الثانوي بمدرسة سوميت الليلية بالموردة ثم معهد البريد والبرق الذى عمل محاضراً به بعد ذلك وقضى به نحو (40) عاماً. زامله حينها من الشعراء الكبار كل من: مصطفى سند، محمد يوسف موسى، النعمان على الله، إبراهيم الرشيد، مصطفى عبد الرحيم وآخرون. كتب الشعر وعمره (18) عاماً وعاصر كبار شعراء الأغنية الذين وجد بعضهم أمامه في ذات الحي مثل: كرومة، سرور، الأمين برهان، محمد بشير عتيق، آل البنا، خالد أبو الروس، آل الخياط وغيرهم من أهل العِلم والأدب والطرب.
كتب عبد الله النجيب شعر المديح النبوي والقصائد الدينية وعشرات الأغاني القديمة والحديثة هذا بجانب أنه أحد رواد التجديد في حركة الشعر الغنائي السوداني، وقدّم للساحة الفنية كذلك العديد من الفنانين الجُدد وكتب العديد من البرامج الإذاعية. وهو عضو مؤسس في إتحاد شعراء الأغنية السودانية. وعمل في المجال الصُحفي ومُنح وسام العِلم والأدب والفنون الفضي في مهرجان الخرطوم الثقافي من السيد رئيس الجمهورية وتم تكريمه على مستوى ولايات السودان في الكثير من المناسبات القومية.
وعلى امتداد مسيرتها الطويلة عُرفت الأغنية السودانية بثنائيات عظيمة كثيرة إمتدت لسنوات طوال حيث قدّمت لنا على سبيل المثال لا الحصر ثنائية محمد عوض الكريم القرشي وعثمان الشفيع. حسين بازرعة وعثمان حسين. إسماعيل حسن ومحمد وردى. وعلي شبيكة وثنائي العاصمة. ومن بين تلك الثنائيات كذلك ثنائية عبد الله النجيب وصلاح مصطفى. وعبد الله النجيب أو شاعر العيون كما عُرف كذلك تعامل مع العديد من المطريين الكبار منهم الراحل عبد المنعم حسيب الذي تغنى له بإحدى أيقونات الغناء السوداني:
عيونك كانوا في عيوني
يصدّوني وينادوني
أخاف لو قلت حَبوني وأقول يمكن يحِبوني
يعِزوني ويصافوني
عيونك كانوا في عيوني
أصبِّر بي هواكْ البال
وأزرع قلبي بالآمال
عِشقتَك وكنتَ عندي خيال
مُجرّد حُبي ليكَ مُحال
أداريهو وأخليهو
وأخاف من قلبي يحكيهو
عيونك كانوا في عيوني
ظروفنا تحَرِّم اللقيا
تعادي الحُب ولو طاهر
يعيش في خوف من الدنيا
ويكون مكتوم وما ظاهر
فكيف إحساس تحسو الناس
نضيق بيهو ونعاديهو
وكل الكون يشك فيهو
عيونك كانوا في عيوني
يا حبيبي لأنك إنتَ عفيف
رقيق بتخاف من الأشواك
تعال نتحدّى حتى الخوف
تبوح بهواي وأقول أهواكْ
ونكون ظاهرين وما خايفين
نعيش ليهو ونذوب فيهو
ونجاهر للأنام بيهو
عيونك كانوا في عيوني
نحاول نبْرز الإخلاص
وزادنا البهجة والنشوة
نفتِّح في قلوب الناس
مشاتل من حَنان حِلوة
نقول ليهم ونوريهم
معانيهو وأمانيهو
ونفخر للجميع بيهو
وللعيون لغة لا يعرفها كثير من الناس بل لها طلاسم لا يستطيع فكها إلا من خبرها وغاص في أعماقها ليعْرف سر كل نظرة منها سواء كانت حزينة أو سعيدة والشاعر عبد الله النجيب لُقب بشاعر العيون لكثرة ما كتبه فيها وعيونك كانوا فى عيوني واحدة من تلك الإشراقات التي زيّنت جيد الأغنية السودانية.
خرج شعر عبد الله النجيب إلى الناس في فترة كان فيها من الصعوبة بمكان أن يُخرج شاعر أعماله للمستمع أو القارىء بسهولة نسبة لسيطرة فطالحة الشعراء على الساحة وقتذاك حيث كانت هنالك رابطة إسمها رابطة الأدب القومي تضم كلا من أبو صلاح، عبيد عبد الرحمن، العبادي، وآخرون. وكان يُعرض عليهم الشعر لإجازته قبل خروجه للناس وعُرف عن أعضاء تلك الرابطة أنهم لا يجاملون أبداً وكثيراً ما تبقى القصيدة بحوزتهم لشهور طويلة حتى تُجاز. عبد الله النجيب عانى من ذلك كثيراً ولكن تلك المعاناة أفادته أكثر. فعندما ذهب لأعضاء اللجنة ليعْرض عليهم أولى قصائده جلس عند أحدهم وقال له مُختبراً إياه: بين همسة حائر. فقال له النجيب: من خيال الشاعر. فقال له فيك أنظم شعري. فقال له النجيب: ولي محاسنك ناظر. فقال له أرجو ترحم عاشق. فقال له النجيب: بيك أصبح ساهر. فكان ذلك أول إختبار له كشاعر. وكان الذي إختبره هو الشاعر الكبير (أبو صلاح) الذى لم يكن يعرفه حينها. وبعد إجازة شاعريته ذهب وأتم النجيب القصيدة. أما أول قصيدة تُغنى له كان مطلعها يقول:
سلام وكلام وغرام وحُب وأمل بسام
حيث قام بتلحينها الفنان صلاح مصطفى وغناها الفنان عبيد الطيب عام 1956م. الجدير بالذكر فى ذلك الوقت الفنان صلاح مصطفى لم يكن قد بدأ الغناء حيث جمعته بالشاعر عبد الله النجيب مصلحة البريد والبرق التي أتت لنا بعدد من الشعراء والمطربين الأفذاذ. وبعد أن لحّن صلاح هذه الأغنية شجعه عبد الله النجيب على الغناء وقد كان ذلك فى العام الميلادى 1958 حيث قدّم له أول أغنية خاصة وهي (أيامي الراحت) فتم تسجيلها كأول تسجيل له بالإذاعة وبعدها تعامل معه بالعديد من الأغنيات ليشكلا ثنائية تُضاف للثنائيات الموجودة حينذاك.
يقول النجيب بأن سبب كتابته الكثيرة عن العيون عندما تنظر إلى شخص ما وتجد رسمك داخل عيونه وتتذكر هذا المشهد (وعيونك كانوا في عيونه) فالعيون هي رسالة الجمال في عالم الحياة وإتكاءة الحُب على سطح الحُب والعيون هي مِرآة القلوب والأراوح وعالمهما الجميل والعيون هي التي ترسل الأنوار وهي التي تحجب الأسرار وهي مقالة كبيرة في مشوار طويل.