الشاعر علي المساح .. إنت بدر السماء في صفاك

الشاعر علي المساح .. إنت بدر السماء في صفاك
بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ
ارتبط الشاعر علي المساح بجميل اغنيات حملت عبقريته. إسمه علي أحمداني من مواليد حي (الإسبتالية) بأم درمان عام 1901م، لم يلتحق بالمدرسة أو الخلوة (لم يدرس قط)، وفي بواكير طفولته إنتقل مع والده الذي كان يحترف مهنة الخياطة (ترزي أفرنجي) إلى مدينة ود مدني، وأشتهر ب(المساح) لأنه كان كثير التجوال صباحا ومساء لا يحب البقاء في مكان واحد، يتمشى في أرجاء المدينة باحثاً عن كل ما هو جميل، وكان يصغي للغناء أينما وجد، وبينما هو على تلك الحال لقيه أحد أصدقائه وكان يعمل في شراء وبيع الحاجيات في الأزقة والحواري في أحد تلك الشوارع، وقد اعتاد على رؤيته دائما، وعندما ابتدره (علي) بالتحية رد عليه: أهلا ماشي وجاي زيك وزي المساح (إشارة إلى عمل المساح) الذي كثيرا ما يرى بين الحواري والشوارع يقوم بمهمته في التخطيط، ومنذ ذلك الحين إلتصق به الإسم ونسي الناس تماما إسمه الحقيقي.
صار علي المساح ، علما من أعلام الغناء السوداني الأصيل، وبعد وفاة والده أستقر بحي المدنيين بود مدني مع والدته وشقيقته وارتبط إسمه بالمدينة وتوفي فيها. كان المساح قليل الكلام، غزير الإنتاج الشعري، تأثر في بدايته بالشاعر إبراهيم العبادي وصالح عبد السيد أبو صلاح وخليل فرح، نظم أول أغانيه في سن الرابعة عشر والتي كانت بعنوان (الشاغلين فؤادي) التي غناها له مطرب مدينة ود مدني الطيب الإنجليزي ليُعجب بها الفنان إبراهيم الكاشف ويتغنى بها فيما بعده بآلة الرق حيث كان يُحظى بشهرة واسعة آنذاك:
الشاغلين فؤادي وتايهن فايقين
أصلي البي نازف دمع المايقين
النسيم عودني أقوم من نومي تاب
مشغول فكري سارح مشطوب انشطاب
يالنسيم بالله تجيب رد الخطاب
أوع الجاهلة نيا وما بتحمل عتاب
من القبلي لاح لي برق لمع
والصيد في الخمايل يا ناس اجتمع
قومو يا أحبة نسترق السمع
ما بطيق القعدة والمايق دمع
شوق أحبابي لي مولاي قدرو
انسلبت لحومي وعضاي خدرو
لاموني العوازل بي حالي ازدرو
هم شايفين دلالو وتايهين ما درو
سامرت الكواكب لما البدر لاح
منادي الفجر نادى وقال يا أهل الصلاح
صلوا الوقت حاضر .. قامو أهل الصلاح
وأنا الليل قايمو .. لا خيال لي لاح
البلابل ناحت في الليل الهجيع
سهرانات عيوني ومابيات الضجيع
من الحالة ديك أخير لي النجيع
واحسرة شبابي ما لقيت لي وجيع
وقد إشتهر حينما غنى له الكاشف أغنيته الشهيرة بالرق:
إنت بدر السماء في صفاك
قول لي من عيني ما خفاك
يا حبيبي متى وفاك؟
ماله بدر السماء ما شروق؟
من حماه ومنعه المروق
خده زهري وبسمه البروق
غير أشوفه أنا ما بروق
يا حبيب متى وفاك؟
وغني له فنان مدني (الشبلي) وعوض الجاك فيما بعد
زمانك والهوى أعوانك:
زمانك والهوى أعوانك أحكمي فينا هذا أوانك
أهواك كيف أطيق سلوانك
حمامة الغصون صداحة فوق أغصانك
ثم جاد نسيم الليل والتي تغنى بها الفنان عبد العزيز محمد داؤود:
جاد نسيم الليل لي بى عبيرو عطاني
زاد علي ولهي وحنيني لي أوطاني
أذكر زمان كنت بين خلتي وأخواني
بي سمر في قمر كان حافلات وغواني
حكم الزمان ما بين زاويات مجاهله زواني
النحيب والنوح بين الخلوق عنواني
ثم جاءت قصيدة (غصن الرياض) التي ظل كل يسمعها يعيد سماعها مرة أخرى، وبها من الصياغات ما يبز به شعراءنا في كل العصور، تأسرك ببساطة مفرداتها وعميق مآلاتها وصورها البديعة التي يبرع في إخراجها وتكشف عن عبقرية هذا الشاعر:
يا غصن الرياض المايد
يا الناحِلني هجرك وانت ناضر وزايد
تهجرني ليه وأنا ليك رايد
يا غصن الرياض المايد
ما أظن عن غرامك لو أموت ما حايد
سهران ليلي طال والعين صِحت ما قايد
تعبان قصدي ليمك وإنت ناضر وزايد
يا الهاجر جفيتني بنظرة لي ماك عايد
شوفتك زي هلال العيد وفيهو بعايد
أنا وحبك ترعرعنا ونشأنا ندايد
ما خلِص القديم وتبين مصايبو جدايد
حِن يا حبيب كفاي مُر العذاب وشدايد
يا خُلاصة الحواري ال من جِنان وخوالد
حُسنك ليك يدوم لا أم تلِد لا والد.