د. هاشم حسين بابكر يكتب: الاستثمار الروسي

الاستثمار الروسي

د. هاشم حسين بابكر

جاء في الأخبار أن سفير روسيا الاتحادية في السودان قال ان عدة شركات روسية أبدت رغبتها في الاستثمار في السودان. ومن ضمن تلك الاستثمارات ورد ذكر السكة حديد.
والسكة حديد والتي أنصح أن تكون في أولوية تلك الاستثمارات، خاصة وأن البنك الإسلامي بجده عرض قبل حوالي عشرة سنوات إنشاء خط حديدي من داكار إلى بورتسودان. واقترح النظام السابق أن تكون الخرطوم مقرا لهذا المشروع العظيم وقد وافق البنك على مقترح السودان، ولكن للأسف لم يتم ذلك وحتى اليوم لا أحد يعرف مقرا لذلك المشروع العظيم.
طول الخط داخل السودان أكبر ويمثل حوالي ستين في المائة من طول الخط أو يزيد. ومن هذا المنبر أخاطب السيد رئيس المجلس السيادي أن يقوم بإحياء هذا المشروع المهم وأن يقود وفدا يضم أخصائي السكة حديد وهم كثر في السودان. كما أن السودان يعج بالمهندسين الذين تخرجوا من جامعات السكة حديد الروسية بمختلف تخصصاتها، وللأسف معظمهم لا يعملون بالسكة حديد، والكاتب واحد منهم.
لم يجد البنك الإسلامي بجدة تفاعلا من النظام السابق لهذا المشروع المهم وأظنه أغلق ذلك الملف. هذا المشروع سيحدث طفرة هائلة في الاقتصاد السوداني. منتجات السودان الزراعية تعتمد عليها دول غرب أفريقيا في غذائها الذي يعتمد اساسا على
الذرة التي يتم تهريبها إليها دون أن يستفيد منها المنتج والمواطن الذي يعاني من ارتفاع أسعار الذرة.
ومن ناحية أخرى تهرب الثروة الحيوانية كذلك، وحتى تلك التي تصل الأسواق المحلية تفقد من وزنها الكثير ومن جودة لحومها حيث تقطع مئات الكيلومترات مشيا على الأقدام. والسكة حديد تمثل أهمية قصوى لنقل الثروة الحيوانية التي تنقلها من مناطق الإنتاج إلى الأسواق وموانئ التصدير دون أن تخسر من وزنها وجودة لحومها.
وهنا تلعب السكة حديد دورا مهما بل وهو أهم الأدوار، ويتمثل في نقل الثروة الحيوانية بطريقة آمنة يتوفر فيها الماء والغذاء.
والدور الهام الذي تلعبه السكة حديد هو سرعة إيصال المنقول وبأقل تكلفة. القطار يقطع المسافة من الخرطوم إلى بورتسودان في أربعة وعشرين ساعة يحمل ألف وخمسمائة طن.
ذات الحمولة تحملها على أقل تقدير خمسين شاحنة تقطع ذات المسافة على أقل تقدير في يومين لكل شاحنة.
ما ينقله القطار في أربعة وعشرين ساعة تنقله خمسين شاحنة في مائة يوم لأن الشاحنة تستغرق ما لا يقل عن يومين في الطريق من الميناء إلى الخرطوم.
يستهلك القطار في رحلته من الخرطوم إلى بورتسودان خمسة وعشرين طنا من الوقود بينما تستهلك خمسين شاحنة لقطع ذات المسافة ما لا يقل عن مائة طن من ذات الوقود.
هذا إذا لم يحدث للشاحنة أي عطل في الطريق، أما إذا حدث لها حادث كصدام أو انقلبت أو حتى هطلت أمطار فذلك يطيل من زمن وصول البضائع وإن كانت سليمة وهذا أقرب للمستحيل مما يتسبب في خسائر فادحة وندرة في المواد الضرورية للحياة.
أما السكة حديد التي استخدمناها خارج السودان فإن أي عطل يتم اصلاحه خلال ساعة أو أقل وبعدها تسير الأمور كما كانت عليه.
روسيا بها ما لا يقل عن مائة ألف كيلومتر من خطوط السكة حديد، وقد تم اعمار المنطقة ما بين بحيرة بايكال ونهر أمور، بطول ألفي كيلومتر في منطقة لم تطئها رجل بشر من قبل. ودرجة الحرارة فيها تفوق الخمسين درجة تحت الصفر.
ألفا كيلومتر ذات غابات كثيفة ودرجة حرارة غاية في البرودة تم إنشاء وبناء مدن فيها وسكان، مع مضاعفة الراتب وتوفير ضروريات الحياة بأسعار مخفضة.
وتسابق المواطنون للعمل في تلك المنطقة الطاردة وتحولت إلى منطقة جاذبة، وأطلق على المشروع اسم منشأة العصر. واستفادة الدولة من الثروات الطبيعية في المنطقة من معادن وغاز طبيعي بجانب الثروة الخشبية التي جعلت روسيا من أكبر مصدري الأخشاب عالميا.
آخر مسمار تم ربطه في افتتاح الخط كان من الذهب الخالص لا يقل سعره عن خمسين ألف دولار. كل هذا تم عرضه على شاشة التلفاز.
قبل خمسة وأربعين عاما ما كانت هناك حياة لإنسان واليوم دبت الحياة فيها وسكنها الإنسان بعدما كان لا يعبرها إلا بالطائرة. وكان للسكة حديد الدور الرئيسي في إحياء هذه المنطقة التي لم تطئها رجل بشر من قبل.
الطلاب الروس الذين كانوا يدرسون معي الكثيرون منهم عملوا في ذلك الخط وعادوا بعد الإجازة بعدة آلاف من الروبلات في حين أن راتب عام كامل لا يتعدى الخمسمائة روبل.
تم بناء الخط بطول ألفي كيلومتر وتم بناء مدن وتوافد عليها السكان من كل أنحاء الاتحاد السوفيتي. وصارت المسافة بين بحيرة بايكال ونهر أمور وهي ألفا كيلومتر لا يقطعها الآن إلا القطار.
ينقل القطار ثروات المنطقة من أخشاب ومعادن نفيسة وتنقل خطوط الأنابيب الغاز والبترول من منطقة لم تطئها رجل بشر من قبل لكن السكة حديد عبرتها ولا زالت.